رغم الإبادة الجماعية و التدمير في غزة: الدولة الفلسطينية في "رام الله" صامدة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية

تشهد الثورة الفلسطينية أخطر المراحل في تاريخها.

فعلى إثر هجمات المقاومة الإسلامية على دولة الإحتلال في 7 أكتوبر 2023 اعتبرت قيادات الكيان الصهيوني أنها "محرقة جديدة" ضد اليهود و محاولة متجددة للقضاء على دولة إسرائيل. واستخلصت أنه لا يمكن التعايش مع الفلسطينيين كمؤسسات حاكمة في غزة أو في الضفة الغربية. هكذا شرع أقصى اليمين الحاكم في إسرائيل و خاصة بعد 7 أكتوبر في تنفيذ مخططاته التي يدعو لها منذ سنين من أجل اقتلاع تلك المؤسسات الوطنية الفلسطينية و القضاء على أي طموح للشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة

و الآن و بعد سنة و نصف من الحرب على الشعب الفلسطيني و في مقابل الإبادة الجماعية و التدمير في قطاع غزة لا تزال السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله صامدة رغم السعي المحموم لليمين الصهيوني للقضاء عليها.
الإنجاز العظيم لمنظمة التحرير الفلسطينية : إنشاء الدولة الفلسطينية في 1994
لقد كان المشروع التاريخي للنضال الوطني الفلسطيني منذ قرار التقسيم سنة 1947 هو تأسيس دولة فلسطينية توحد الشعب الفلسطيني و تعبر عن كيانه و هويته مثل سائر شعوب الدنيا. ذلك أن الشعوب تنتقل من حالة التذرر و التشتت إلى مرحلة الحضارة و الحداثة عندما تصبح لها دولة توحدها و تجمعها.
لقد كان الأمر أشبه بالحلم عندما عاد الزعيم ياسر عرفات و قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى رام الله عقب اتفاقيات أوسلو سنة 1993 بعدما كانوا ملاحقين "كإرهابيين" لا فقط من طرف إسرائيل بل أيضا من طرف أمريكا ودول غربية أخرى. هكذا شكل الفسلطينيون و لأول مرة في تاريخهم نواة دولة يرأسها أبو عمار و حكومة فلسطينية لحما و دما ( كان محمود درويش أحد وزراءها) و بدأت عملية شاقة و مسيرة طويلة لبناء الدولة الوطنية و التي لا تزال مستمرة منذ 30 عاما في ظروف محلية و إقليمية و عالمية معادية و معقدة.
صحيح أنها كانت دولة جنينية منقوصة و حكم ذاتي على غزة و الضفة الغربية شبيهة بالحكم الذاتي الذي تحصلت عليه تونس سنة 1954 بقيادة الزعيم بورقيبة. و لكنها كانت خطوة جبارة و عظيمة إلى الأمام. فمنذ 1974 تبنت منظمة التحرير الفلسطينية البرنامج المرحلي للمجلس الوطني الفلسطيني الذي يدعو إلى بناء الدولة على أي شبر من الأرض التي يتم تحريرها أسوة بالثورة الصينية و الثورة الفيتنامية.
لقد منح اتفاق "اوسلو" حكما ذاتيا محدودا للدولة الفلسطينية الناشئة على قطاع غزة و أجزاء من الضفة الغربية. في حين حافظ الإحتلال على سيطرة أمنية على مناطق واسعة. و قد كان من المفروض أن تتلو اتفاقيات "أوسلو" مفاوضات المرحلة النهائية لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. و كانت هناك 3 قضايا مطروحة في تلك المفاوضات و هي الأراضي في الضفة الغربية و اللاجئين و قضية القدس. و لكن تلك المفاوضات فشلت في "كامب دافيد" سنة 2000 حين رفض الزعيم الراحل ياسر عرفات التنازل عن الحقوق الجوهرية للشعب الفلسطيني. فاندلعت الإنتفاضة الثانية و توقف مسار المفاوضات منذ ذلك الحين.
الدولة الفلسطينية صامدة منذ "اتفاقيات أسلو" 1993
لقد نجحت السلطة الفلسطينية في الحفاظ على مشروع الدولة الوطنية و مواصلة تركيز أسسها رغم المعارضة الداخلية من التيارات الإسلامية الرافضة لإتفاق "أوسلو" و رغم المحاولات المحمومة و المستمرة للإحتلال في تقويضها. فكان إصدار الدستور الفلسطيني سنة 2003 الذي حدد مسؤوليات الرئيس ( محمود عباس الذي خلف الرئيس الراحل ياسر عرفات) و المجلس التشريعي و الحكومة المسؤولة أمام المجلس التشريعي. و تحظى قيادة منظمة التحرير الفلسطيني و حزبها الأكبر حركة "فتح" بدور مركزي في السلطة الوطنية الفلسطينية. و تعتمد الدولة الفلسطنية على جهاز أمني قوامه 40 ألف عنصر تشكلت نواتاته الأولى من جيش التحرير الفلسطيني و جهاز قضائي يسيره مجلس أعلى للقضاء و مجلس تشريعي و جهاز إداري مشكل من ما يقارب 150 ألف موظف نصفه تقريبا من النساء. و قد استكمل البناء بتأسيس المحكمة الدستورية ( المجلس الأعلى للقضاء) سنة 2016 إضافة إلى شبكة من البلديات التي تغطي كافة المدن الفلسطينية و تسعى قدر المستطاع توفير الخدمات الدنيا للشعب الفلسطيني.
و بفضل مثابرتها و جديتها تحصلت الدولة الفلسطينية على اعتراف ما يقارب 150 دولة في العالم فتحت لها سفاراتها و تمثيلياتها و أصبحت حاضرة باسم دولة فلسطين في جميع المنابر العالمية سياسية أو ثقافية أو علمية أو رياضية.
السلطة الفلسطينية تتكفل بالضفة الغربية و قطاع غزة
تتكفل الدولة الفلسطينية بما يقارب 3 ملايين و نصف فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية و ما يقارب مليونين فلسطيني يعيشون في غزة. و تبلغ ميزانية السلطة الفلسطينية تقريبا 6 مليار دولار( ثلث ميزانية تونس) و تعيش ضغطا كبيرا جراء حرمانها من أموال المقاصة من طرف الإحتلال و هي الجباية لتي يقوم بها الإحتلال في المنافذ و الموانئ نيابة عن السلطة الفلسطينية. و يعرف الإقتصاد الفلسطيني بتنوعه حيث يشغل ما يقارب 800 ألف عامل و يعول على قطاع الخدمات بنسبة 60 بالمائة و فلاحة تساهم ب10 بالمائة من الناتج الوطني الخام و صناعة ناشئة ترتكز على الصناعات التحويلية و الغذائية و الصناعات التقليدية. و بلغ الناتج الوطني الخام في فلسطين سنة 2023 حوالي 18 مليار دولار أمريكي ( تونس= 51 مليار دولار) و بلغ نصيب الفرد الفلسطيني من الناتج القومي الخام 3500 دولار ( تونس= 4200 دولار).
و يتميز القطاع المصرفي الفلسطيني بالحيوية حيث هناك 13 بنك يسيره بنك مركزي ( سلطة النقد الفلسطيني) الذي تأسس سنة 1994.
و رغم سيطرة حركة حماس على السلطة الإدارية و الأمنية في غزة منذ 2007 و نتيجة للعقوبات الدولية على حكومة حماس واصلت السلطة الفلسطينية و إلى حد الآن تمويل قطاع غزة بما يقارب ألف مليون دولار سنويا تتوزع بين أجور ما يقارب 20 ألف موظف في غزة و تمويلات لقطاع الصحة و التعليم و البنية التحتية و الكهرباء و المياه..
و رغم هذا الصمود التاريخي لمشروع الدولة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية فإنها لا تزال مهددة بمساعي التقويض و الهدم من طرف الإحتلال. و يمثل الإستيطان سرطانا ينخر الأرض الفلسطينية. في المقابل تحظى السلطة الفلسطينية بدعم عربي و أوروبي و عالمي على المستوى الرسمي و الشعبي. و يبقى التحدي الداخلي قائما خاصة في ظل الإنقسام و الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية من جهة و التيارات الإسلامية من جهة أخرى. هذا الإنقسام و الصراع الذي استعمله الإحتلال و غذاه لسنوات طويلة لعرقلة و تقويض المشروع الوطني الفلسطيني في تأسيس دولة وطنية كاملة السيادة.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115