في صفوف القائمين بالحق الشخصي من عائلات الضحايا والمصابين الذين وصفوا تلك الأحكام بالمجحفة في حق من سالت دماؤهم ثمنا للحرية والكرامة، اليوم وبعد ثماني سنوات لم يتغيّر الحال كثيرا على المستوى القضائي فقد ظلت هذه القضايا منشورة وهذه المرة أمام الدوائر المختصة في العدالة الانتقالية ليتواصل مشوار انتظار المحاسبة.
اصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد مؤخرا مرسوما يتعلق بملف شهداء وجرحى الثورة كذلك شهداء الأمن والديوانة يتضمن تسوية لوضعية المصابين وضمان بعض الحقوق الاجتماعية لذوي الشهداء، وقد لقيت هذه الوثيقة ردود أفعال مختلفة.
نعود إلى القضايا الكبرى لشهداء وجرحى الثورة التي ظلت طيلة سنوات بين أروقة القضاء العسكري وفي شهر جويلية 2012 أصدرت المحكمة العسكرية الدائمة بتونس أحكاما تراوحت بين المؤبد للرئيس الراحل زين العابدين بن علي وعشر سنوات وعشرين سنة سجن لعدد من المسؤولين منهم مديرالامن الرئاسي علي السرياطي ووزير الداخلية في تلك الفترة رفيق الحاج قاسم وغيرهم من الأمنيين السابقين وذلك بتهمة القتل العمد والمشاركة في ذلك وقد استأنف لسان الدفاع عن المتهمين تلك الأحكام لتحال الملفات على أنظار الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف العسكرية بتونس التي أعادت تكييف التهم وبالتالي اصبحت الأحكام الابتدائية أصبحت عديمة المفعول لتصدر الدائرة المعنية أحكاما تراوحت بين عدم سماع الدعوى وخمس سنوات سجنا وسيتم بالتالي إطلاق سراح جلّ المتهمين الموقوفين، يوم لم يكن كبقية الأيام، 12 افريل 2014 تاريخ لا زال محفورا إلى اليوم في ذاكرة عائلات شهداء الثورة وجرحاها الذين عبروا يومها عن غضبهم الشديد واستنكارهم لتلك الأحكام وقد وصل صوتهم إلى جميع الأطراف المتابعة لهذا الملف من المجتمع المدني الذي عبّر عن مساندته المطلقة لهم وكذلك منظمات وجمعيات حقوقية، بالإضافة إلى المجلس الوطني التأسيسي وقتها الذي تفاعل ايجابيا وقد تعالت الأصوات المطالبة بتركيز دوائر متخصصة في العدالة الانتقالية يتم تعهيدها بهذه الملفات لتعيد الفصل فيها في إطار المسار الانتقالي وطبقا لقانون العدالة الانتقالية الصادر في 2013، فكان الأمر كذلك وتم
التركيز الفعلي لتلك الدوائر وتوزيعها على مختلف ولايات الجمهورية وأحيلت عليها الملفات المذكورة من قبل هيئة الحقيقة والكرامة. علما وان الأحكام الاستئنافية تم نقضها من قبل محكمة التعقيب التي نظرت في مطلب طعن كان قد تقم به محاموا القائمين بالحق الشخصي.
تمر اليوم ثماني سنوات على تلك الأحكام الاستئنافية التي وصفت بغير المنصفة وبعد أكثر من ثلاث سنوات على تعهيد الدوائر المتخصصة بهذه القضايا ظلت النتيجة صفر حكم في أي ملف رغم عقد عديد الجلسات والاستماع إلى عدد من الشهود ولكن «المعضلة» الحقيقية والتي جعلت هذه الملفات تراوح مكانها ولم يتم الفصل فيها غياب مرتكبي الانتهاك عن جلسات المحاكمة بدعوى عدم بلوغ الاستدعاء ومنهم من غادر البلاد الأمر الذي عمّق الأزمة وكرّس سياسة الإفلات من العقاب وبالتالي تعطيل مسار العدالة الانتقالية على هذا المستوى.
ووقعت المطالبة بالتعجيل في تفعيل إجراءات العدالة الانتقالية حتى تشمل قضايا شهداء وجرحى الثورة. كما ندد ممثلو المجتمع المدني البرلمان بتلك الاحكام وطالبوا بإيجاد حل قانوني لإعادة النظر في هذه الملفات في اطار مسار العدالة الانتقالية .من جانب آخر تم الطعن بالتعقيب في الاحكام الصادرة عن الدائرة الاستئنافية العسكرية التي اعادت النظر في تلك الملفات وقررت نقض الاحكام السابقة وبالتالي اعادة القضايا الى القضاء العسكري مجددا للنظر فيها بتركيبة جديدة وقد تم تعهيد الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية بجل تلك الملفات والى حد اليوم لم تصدر احكامه بعد.