أمــام الدوائــر الجنائيــة المتخصصة في العدالــة الانتقالية لمساءلة ومحاســبة مرتكبــي الجرائــم في النظــام الســابق، اكثر من سنتين مرّتا على انطلاق هذه الدوائر في اعمالها فما أبرز النتائج التي توصلت اليها وما الصعوبات والعراقيل التي اعترضتها؟ الاجابة جاءت في تقرير اعدّه اعضاء الائتلاف المدني المدافع عن العدالة الانتقالية والمتكون من عدد من الجمعيات والمنظمات تحت عنوان لا مصالحة دون مساءلة وذلك في اطار تقييم اداء الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية وآفاقها.
تمكنـت هيئـة الحقيقـة والكرامـة طيلـة مـدة عملهـا التـي انتهـت في 2018 مــن إحالــة 200 ملفــا قضائيــا موزعا على 13 دائــرة جنائيــة متخصصــة في العدالة الانتقالية بينما تنظر اليوم هذه الدوائر على ارض الواقع في 205 ملفا وذلك بعد أن قرّر عدد منها تفكيك بعض الملفات وجمع البعض الآخر وذلك حسب العلاقة بين الشهود والضحايا والمنسوبة اليهم الانتهاكات ،وتشمل تلك القضايا المحالة من قبل الهيئة جرائم مالية وانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان تم ارتكابها بين 1955 و2013 حيث لم يمتثل فيها المنسوبة اليهم الانتهاك الى استدعاءات الهيئة خلال مرحلة التحقيق وفق التقرير .
وقد انطلقت الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية في اعمالها منذ 2018 حيث عقدت اولى الجلسات من دائرة قابس بتاريخ 29 ماي 2018 بالنظر في ملف ما عرف الاختفاء القسري لكمال المطماطي الذي يعود الى 1991. ومنذ ذلك التاريخ توالت بقية المحاكمات بطريقة متفاوتة، ولكن الى حد اليوم لم يصدر أي حكم في أي من القضايا المنشورة منذ اكثر من سنتين ،هذا وقد بلغ عدد لوائح الاتهام 69 لائحة تم فيها تحديد هوية المتهمين بارتكاب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان ووظيفتهم اثناء وقوع الانتهاك مصحوبة بالأدلة والسماعات للشهود والضحايا، أما بالنسبة إلى الإحالات التي لم تتمكن هيئة الحقيقة والكرامة من انهاء التحقيق فيها نظرا لضيق الوقت وفق تبرير الهيئة فقد بلغ طبقا لما تضمنه تقرير الائتلاف 131 احالة،رمي الكرة في ملعب الدوائر المتخصصة يطرح العديد من الاشكاليات القانونية.
من جهة اخرى وبعد مرور سنتين على انعقاد اول جلسة رأى اعضاء الائتلاف المدني المدافع عن العدالة الانتقالية أن هذا المسار لا زال متعثّرا وان هذه الدوائر تواجه الكثير من العراقيل من مستويات مختلفة على غرار ضعف وتيرة المحاكمات إذ لم تصل أية قضية من القضايا المنشورة حتى الى طور المرافعات، إذ نجد 43 ملفا فقط من بين 205 قضية منشورة بلغ عدد الجلسات فيها ثلاث جلسات في حين 83 قضية لم تتجاوز الجلسة الواحدة، بالإضافة الى الغياب المتواتر للمتهمين ،إذ تشهد الجلسات حضورا مكثفا للضحايا مقابل شبه غياب للمنسوب اليهم الانتهاك رغم ان القانون الجزائي الدولي ينص على ان الحضور اجباري وفي صورة عدم الامتثال الى الاستدعاءات التي توجهها المحاكم تصدر هذه الاخيرة بطاقات جلب بالقوة يتم تنفيذها من قبل الشرطة العدلية.
هذا وقد خرج هذا التقرير بجملة من التوصيات المتمثلة في دعوة الســلطات القضائيــة بمــا فيها المجلس الاعلى للقضــاء ورؤسـاء المحاكم أن تأخـذ الإجراءات اللازمة والناجعـة لدعـم عمـل الدوائر الجنائيــة المتخصصة وجعلهــا تنظــر في الملفات المنشورة أمامهــا في آجـال معقولـة، وذلـك بضمـان تفـرغ قضاتهـا وإعفائهـم مـن قضايـا الحـق العـام كما يجـب أن يسـهر المجلس على اسـتقرار القضـاة الجالسـين بالدوائــر الجنائيــة المتخصصة ، وأن لا تأثـر الحـركات القضائية السـنوية على قــدرة الدوائــر على القيــام بعملهــا وتحقيــق العدالــة للضحايــا و يجـب أن يسـهر المجلس الاعلى للقضـاء على تكويـن القضـاة الجـدد الذين يتــم تعيينهــم بالدوائــر المتخصصة تكوينــا مناســبا في مجــال العدالــة الانتقالية، كمـا هـو منصـوص عليه بالقانـون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 .