حتى نعود إلى سياقه العام الذي رسمته السلطة في بلادنا بعد 14 جانفي 2011 .
لن أعود بكم إلى الدماء التي سالت و الأجساد التي خرّبها الرصاص ولا إلى الأرواح التي أزهقت، سأتحاشى الحديث عن كل ذلك حتى لا أنعت بالمحرض أو بموقظ الفتنة و لكنني سأتحدث عن سياسة عامة رسمت للتعامل مع ملف شهداء و جرحى الثورة برمته.
كانت البداية مع سياسة التغافل عن جرائم القتل و محاولات القتل فوزارة العدل بفروعها الجهوية
و نيابتها العمومية لم تحرك ساكنا بل كانت أبوابها موصدة أمام ضحايا الثورة، ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بأوامر فرضت سياسة التغافل.
لكن ذلك وحده لا يكفي فكان ولا بد من سياسة إغراء الضحايا ومنحهم قسطا ماليا من التعويضات التي وُعدوا بأن تصرف لهم دون أن يتم تحديد سقفها في ذلك الوقت. لكن الدماء لم تنشف والمال لم يكتم أصوات الحق المطالبة بكشف الحقيقة و المحاسبة.
فرُمي بعائلات شهداء وجرحى الثورة في متاهات القضاء العسكري و المجال لا يسمح لي بسرد تجربتهم لكن سأقف عند يوم 12 أفريل 2014 حتى تتجلى لنا سياسة الإفلات من العقاب، فمع مغيب شمس ذلك اليوم أسدل الستار بالحكم بإطلاق سراح جميع القيادات الأمنية التي كانت في حالة إيقاف.
ومن تفنن في الخطوات الأولى لن يعجز في بقية المشهد، خاصة وأن سياسة التهميش والتمييع لهم فيها باع و ذراع، فغاصت و خاضت البلاد في الاغتيالات والإرهاب والصراعات السياسية والأزمة الاقتصادية حتى أصبح الحديث عن سعر البطاطة و البصل من الشعارات الانتخابية.
طبعا خطتهم مرسومة بحنكة و لم يبق أمامهم إلا الذاكرة ، نعم صراع الذاكرة ضد النسيان، وكيف ستنسى أن فردا من عائلتك مفقود مفقود مفقود، قتل برصاص، سالت دماه على أرض لم يمض فيها بعد على قائمة الكرامة و الذاكرة وهيهات هيهات حتى نشكل لجنة جديدة ستنظر خلال السنوات القادمة في الجهة المعنية بالإمضاء عن قائمة شهداء ثورة الحرية و الكرامة.
أملهم أن تمر السنين و تختفي جرائمهم و تنسى الثكالى آلامهن ولا تجد الأجيال القادمة مجدا يؤرخ حريتها، سيبقى صراع الذاكرة قائما ولن نتخلى عن مطالبتنا بنشر القائمة الرسمية لشهداء ثورة الحرية
و الكرامة وسيرفع من سيخلفنا رأسه لأن له رصيدا من الدماء سقى أرضه.
علي المكي
جمعية «لن ننساكم»