في سياسة التصعيد في سوريا وتدخلاته المستمرة في المنطقة للحلم بالخلافة المزعومة وذلك عبر مجموعة من المجموعات المسلحة بكافة فصائلها، وبالتالي فإن صعوبة حسم هذه الملفات جعلت أردوغان في أضعف فتراته وأعلنت أن سفينته ستغرق في الانتخابات المقبلة التي ستجري في جوان عام 2023 لذلك نحن على أعتاب متابعة مشهد جديد في المنطقة خصوصاً بعد أن استطاعت سوريا إزالة أوراق العديد من الأطراف الساعية لفرض دويلات في الداخل السوري.
يكمن سبب حساسية الانتخابات الرئاسية بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية في أنها تجرى في ظل ظروف بالغة الصعوبة، جراء أجواء الوضع الاقتصادي من تراجع الليرة التركية وزيادة نسبة التضخم و اللجوء إلى العملة الأجنبية وفضائح الفساد التي تهيمن على المشهد التركي، وطريقة تعامل الحكومة التركية مع التظاهرات وغيرها والتي أثارت التنديدات، والصراع مع المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري والذي بلغ مرحلة غير مسبوقة، في الخارج سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية كذلك الخلاف مع العراق ومصر واليونان، ومشاركة فعالة في ضرب ليبيا وتخريبها، وتورط في تفاصيل الحرب السورية، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة التي يقودها اردوغان شخصياً.
في نفس السياق لم تعد الحرب في سوريا ذات مردود إيجابي للأنظمة والحكومات التي رعتها، لكونها حرب معقدة ذات أبعاد دولية وإقليمية، وقد تطورت إلى حرب عابرة للحدود يأكل فيها كل طرف خارجي نصيبه من حصاد السم الذي زرعه على مدى السنوات الماضية في سورية، ورغم أن تركيا إنخرطت في مشروع إسقاط النظام في سورية، على أمل تحقيق إختراق في الخريطة الإستراتيجية في المنطقة، الا أنها تشعر الآن إن إستثمار مليارات الدولارات ووضع ثقل السياسة التركية وراء هذا المشروع معرّض للزوال وذلك على ضوء إعادة العديد من الدول مراجعة سياساتها حيال تطورات هذا البلد، إضافة إلى ذلك ثمة تخبط واسع في داخل أنقرة حيال التعامل مع حقيقة تورطها في لعب دور سلبي في سوريا، وإنطلاقاً من ذلك فإن حزب العدالة لم يعمل أي عمل من أجل تحسين صورته من أجل كسب المزيد من الأصوات في الإنتخابات القادمة.
من المؤكد أن الرئيس أردوغان يعيش حالة من الارتباك في مواقفه نظرا لفشل مشروعه في سوريا بعد التدخل العسكري غير المباشر، واتساع دائرة المعارضة داخل تركيا لهذا التدخل، وانهيار طموحاته في تعديل الدستور وتحويل النظام السياسي التركي إلى نظام رئاسي على غرار النظامين الفرنسي والأمريكي، ومنحه كرئيس جمهورية، صلاحيات تنفيذية مطلقة، فلا شك أن استهداف الأكراد في سوريا يحرم أردوغان من أصوات أكثر من 20 مليون كردي في تركيا، كل هذه المغامرات ستؤثر سلبياً على شعبية أردوغان في تركيا وبالتالي في انتخابه كرئيس في الانتخابات القادمة.
على الجانب الأخر ثمة اعتقاد في صفوف المعارضة التركية بأن الانتخابات المقبلة باتت محسومة النتائج، وأنها بالتأكيد ستضع نهاية لحكم «العدالة والتنمية» ورئاسة اردوغان للجمهورية، ومن وجهة نظر المعارضة لن تستطيع حكومة أردوغان خلال الوقت المتبقي على موعد الانتخابات « مهما حاولت» إعادة التوازن إلى الاقتصاد التركي لا من جهة الحفاظ على قيمة سعر صرف الليرة ولا من جهة خفض مستوى التضخم.
وإنطلاقاً من ذلك، ثمة سيناريوهات قوية في أن يؤدي تكرار فشل أردوغان في الانتخابات القادمة إلى تصدع كامل في صفوف حزبه الحاكم وخاصة بعد تراجع شعبيته في الانتخابات الماضية، ، لذلك يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فاضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت. لذلك لا بد لتركيا بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات، وأن تجنح إلى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا إليها الحكومة السورية باستمرار.