إرث ترامب المفقود

لم تكن أحداث مبنى الكابيتول مفاجئة فهي امتداد لسنوات أربع مارس فيها دونالد ترامب أنواعا متعددة من الجرائم باسم الديمقراطية،

فالتحريض الذي مارسه الرجل طيلة الأربع سنوات الماضية لم يكن ليتوج بغير هذه النتيجة التي أظهرت بوضوح عيوب الديمقراطية الأمريكية، بل على العكس فإن هذه النتيجة هي الأفضل من بين السيناريوهات التي كانت متوقعة .

وبنظرة سريعة لما يمثله ترامب ومناصروه ومؤيدوه نجد أن طبيعة ونوع الثقافة والممارسة السياسية لهذه المجموعات كانت تنذر بما هو أخطر من ذلك بكثير. حتى أن بعض المحللين الإستراتيجيين قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك وتوقعوا نشوب حرب أهلية طاحنة خصوصا وأن هذه المجموعات تمتلك كل المقومات المادية والمعنوية والإعلامية لخوض صراع طويل الأمد ما كان يعني دخول الولايات المتحدة الأمريكية في نفق مظلم قد لا تخرج منه أبدا، وهذا ما لم يحدث وذلك لعدة أسباب أهمها أن النظام الديمقراطي الأمريكي على الرغم من عيوبه الكثيرة لا زال يمتلك أساسا متينا يمثل بالشكل نموذجا لبعض الدول في العالم.

أما السبب الآخر الذي أسهم في عدم انزلاق الأحداث للمربع الأخطر فهي المؤسسات التي تمثل عمق الدولة الأمريكية، فمن غير المستبعد أن يكون قد سمح بشكل من الأشكال لهؤلاء الغوغائيين بالدخول لمبنى الكونغرس بهذا الشكل الهمجي وذلك لتعرية ترامب وما يمثله ولوضعه في الزاوية بحيث لا يستطيع الاستمرار في ادعاءاته غير المثبتة، والتي شكلت خروجا عن كل التقاليد والأعراف الأمريكية طيلة القرون الماضية . وهذا ما حدث فعلا فلم يجد الرجل مفرا من الاعتراف بهزيمته وباستعداده لتسليم السلطة بشكل سلس، والأهم من ذلك قيامه بإدانة هذه الأعمال والتخلي مباشرة عمن قاموا بها حيث كانت ليلة حاسمة في مستقبل النظام السياسي الأمريكي.

لم يُعهد عن هذا الرجل تراجعه عما يعتقد إلا عندما يتم إجباره وهذا ما حدث فعلا، مما سيعني بكل تأكيد الانتهاء من إرثه الثقيل الذي استمر لأكثر من أربعة أعوام والتي مثلت كابوسا للمنظومة الدولية بشكل عام. فحالة التوتر واللايقين التي كانت ملازمة لسياساته ستنتهي مع إزاحته بشكل كامل من المشهد السياسي الأمريكي والعالمي مما سيفتح الباب على مصراعيه لترميم العلاقات الأمريكية -الأمريكية الداخلية والأمريكية الدولية ،خصوصا مع حلفاء أمريكا السابقين.

كذلك من الممكن جدا أن تتم إعادة الهيبة والمكانة للمؤسسات الدولية التي عملت استراتيجية ترامب على تهميشها ومحاصرتها بشتى الوسائل الممكنة ما سيعني بكل تأكيد بداية مرحلة جديدة في خلق نظام دولي مسؤول قادر على حلحلة أزمات العالم لا سيما أزمتي المناخ وجائحة كورونا بالإضافة لمجموع الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة في مختلف مناطق العالم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115