التي تعلن عن معاداة الكيان الصهيوني، و هذه الخطوة طعنة جديدة في ظهر القضية الفلسطينية ومؤشر خطير يجب الوقوف عنده.
التوازي مع هذا الحدث، اتفقت السودان والكيان «الإسرائيلي»، على تطبيع العلاقات بالتزامن مع الإعلان عن توقيع الرئيس الأميركي ترامب مرسوماً برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية لـ«الإرهاب»، وتوسطت الولايات المتحدة الأمريكية في الاتفاق بين الطرفين، ليصبح السودان خامس بلد عربي يقيم علاقات مع الاحتلال، وثالث بلد عربي يلتحق بقطاع التطبيع معها، فهذا الخرق الذي تمكنت الولايات المتحدة و«إسرائيل» من تحقيقه سيكون من صالحهما، وليس مستبعداً إذا استمرّ انخراط الدول العربيّة بهذه الخطة وبهذه السرعة، أن يصبح التطبيع الأمر الطبيعي في العلاقات بين الدول العربية و«إسرائيل»، وأن يترك الفلسطينيون ليواجهوا إسرائيل وحدهم دون غطاء سياسي عربي.
وعلى الجانب الأخر لا ينسى الكيان الصهيوني أنّ الخرطوم كانت «عاصمة اللاءات الثلاث» (لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض) لهذا يحمل تطبيع العلاقات مع السودان نكهة خاصة، دلالة رمزية تأمل «إسرائيل» عبرها من مسح جزءاً من ذاكرة المنطقة، فالسودان يعتبر ذا أهمية إستراتيجية إذ يقع في منطقة لها علاقات مع الكيان الصهيوني، كما يعطي لـ«إسرائيل» دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، منها منافسة قوى إقليمية، كتركيا والسعودية، التي تتسابق لكسب النفوذ في السودان.
كما أن تطبيع العلاقات مع السودان سيسمح لتل أبيب بإعادة آلاف السودانيين الذين لجأوا لـ«إسرائيل» وإعادتهم لبلدهم السودان، وهي خطوة ستلقى قبول «الإسرائيليين» الرافضين لوجود هؤلاء اللاجئين لأسباب منها منافستهم للعمالة الإسرائيلية بالإضافة إلى كونهم غير يهود،حيث كان هؤلاء اللاجئون يقولون أنهم سيواجهون عقوبة السجن في حال العودة إلى السودان باعتبار «إسرائيل» دولة معادية يُمنع السفر إليها.
رغم كل ذلك، فإن قبول الحكومة السودانية لمساعي التطبيع في هذا التوقيت قد تكون بمثابة الانتحار أمام هذه المعادلة الكاسرة، فالسودانيون المتمسكون بالقضية الفلسطينية يرفضون بشدة أي تطبيع لهذه العلاقات، فضلاً عن أن المرحلة الانتقالية في السودان محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولاً لعقد انتخابات حرة، ولا تملك هذه الحكومة تفويضاً بشأن التطبيع مع إسرائيل كل ذلك يضع العصي في دواليب هذا التطبيع.
إن «إسرائيل» اليوم، أصبحت لغماً خطيراً في الجسد العربي كله، وتحت أقدام العرب كافة، فهي كيان فوق القانون الدولي، وهي حالة شاذة عن السياق الإنساني العالمي بمجمله، وهي حظيرة عسكرية خالصة، لا وجود في نهجها لعرف أو مبدإ أو قيمة، فقد منحها الدعم اللامحدود من جانب القوى الكبرى قناعـــة راسخة، بأن منطق القوة العسكرية وحده، هو سبيلها للبقاء والهيمنــة.
هذا الواقع، يدق ناقوس الخطر عند رؤوس العرب والمسلمين جميعاً فنحن نعرف إستراتيجيتهم العسكرية، وندرك خططهم الأمنية، ونعرف أنهم يستهدفون منطقتنا العربية، ويبقى السؤال الأهم لنا كعرب، أين نرى أنفسنا في هذا السيناريو القادم؟ فماذا أعددنا للمستقبل؟ هل تم التركيز على التربية الوطنية في المدارس والجامعات لتكون منهجا ثابتا لخلق المناعة؟ هل تم وضع خطة لكيفية مواجهة الشائعات وتعريفهم بأعدائهم الذين لا يريدون لهم التقدم والنجاح، ولا يريدون لوطننا الكبير الأمن والاستقرار.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين أنه بعد هرولة معظم الدول العربية إلى التطبيع مع «إسرائيل» لم يبق أمام الفلسطينيين إلا التخندق وحدهم في خندق الموت والاستشهاد بشرف مدافعين عن عورات الإدارات العربية ومدافعين عن الحق الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية.
وخلاصة القول أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تتآكل لأنها قضية حق وحق تاريخي، ومهما حاول أعداء الأمة تغيب القضية الفلسطينية عن الشعوب العربية فإنها لن تغيب وستبقى فلسطين وقود الثورات العربية وستبقى في قلب كل عربي شريف ولن تغيب عن أذهانهم وستبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.