وكثير من المحللين مثلي لا يظنون بأنّ حرب ستقع بين سوريا وتركيا التي تأكّد تورطها في دعم التنظيمات المسلحة بعد ثبوت أدلة قاطعة ووثائق.
سورية التي كانت الوجهة الأولى للمتطرفين القادمين من كل أصقاع الأرض والممولين من ساسة الغرب وحلفائهم الإقليميين والمحليين، باتت طاردة لكل ما هو إرهابي لاقتلاعه من جذوره، ولعل مشاهد العرس وأصوات الزغاريد التي زف بها شهداء الجيش السوري دليل حي على أن الشعب السوري لا يهاب الموت، بل يسارع إليه إذا كان ثمناً لرفعة الوطن، وإنقاذه من مخططات ومؤامرات الأعداء.
انتصار الجيش السوري لا يعني أمراً سهلاً ، فكسر شوكة المتطرفين في ادلب يعني بداية العد التنازلي لتفتيت جبهات المليشيات المسلحة وسحقها هناك، ما حدث في خان شيخون ومدينة سراقب ذات الموقع الاستراتيجي هو انتصار للجيش السوري، وهذا ما أوقع هذه المجموعات بين فكي كماشة، الأمر الذي سيعجل من سيطرة الجيش السوري على ادلب، وعليه قامت نقاط المراقبة التركية المتمركزة هناك بقصف القوات السورية التي تهاجم المدينة بمحيط سراقب الأمر الذي أدى الى مواجهة عسكرية مباشرة بين الجانبين خاصة بعد إمهال الرئيس التركي أردوغان دمشق حتى نهاية شهر فيفري 2020 لسحب قواتها من محيط نقاط المراقبة التي أقامتها أنقرة في المنطقة.
في السياق ذاته تشن تركيا هجمات عدة من أجل منع الجيش السوري من التقدم نحو ادلب، ولعل هذا الأمر ليس بالجديد في التصعيد بينهما، فمن قبل شهدت مدينة إدلب تحركات عسكرية برية وجوية من جانب الجيش السوري، وإحراز تقدم للجيش وفرار الجماعات المسلحة من بلدة خان شيخون الى أماكن آمنة.
في الجانب الأخر هناك اتفاق سوري- روسي على ضرورة التخلص من التنظيمات المتطرفة في إدلب، وهذا سيؤدي إلى تعرض تركيا للعديد من المخاطر والانتكاسات السياسية والمتمثلة في ضرورة الانسحاب التركي من نقاط المراقبة التي نشرتها في ادلب، ولا ننسى ملف اللاجئين الذي يستخدمه أردوغان كورقة ضغط لتبرير حملته العسكرية على سورية وتوفير مكان آمن لترحيل اللاجئين السوريين من تركيا أو في منطقة إدلب.
وهدف تركيا من هذا كله الحفاظ على موقع متقدم يسمح لها بالتأثير في مخرجات العملية السياسة السورية، ولا شك أن معركة إدلب ودخول الجيش السوري بمساعدة حلفاؤه الروس أفرز وضع داخلي متشابك الأمر الذي يعتبرها خبراء عسكريون الضربة الحاسمة التي ستقود إلى اختلال كبير في الميزان الاستراتيجي للمواجهات مع الجماعات المسلحة لصالح الجيش، وتجبر هذه الجماعات على أن يسارعوا إلى الموافقة على التسوية، وإنهاء حالة الحرب والصراع التي تعتبر مقدمة لسلسلة من الإجراءات الشاملة لتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة.
والسؤال الذي يفرض ذاته ونحن نتلمّس روائح النصر التي تلوح بالأفق، هل يتورط أردوغان فعلاً في شن هجوم عسكري على سورية متجاوزاً الشرعية الدولية؟ خاصة بعد أن تلقى تحذيرات جدية من الرئيس الأسد بعدم ارتكاب أي مغامرة في سورية لأنها ستكون حرب قاسية.
لذلك يجب على الرئيس أردوغان أن يحترس من التورط في شن الحرب على سورية الذي لا يستطيع تطويق حدودها ومجابهة الدول الإقليمية المرشحة للاشتراك فيها، وهي حرب سوف تكون مكلفة لبلاده عسكرياً وسياسياً وإمكانية تطورها إلى حرب إقليمية بأبعاد عالمية قد تنقلب من حرب محدودة إلى حرب مفتوحة والتي سوف يكون لها آثار مدمرة متى إشتعلت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة.
ان المخطط في سوريا واضحاً، تركيا التي خسرت أهم أهداف مشروعها التخريبي بالمنطقة، بسبب سحق وفرار التنظيمات الإرهابية، تحاول هدم الاستقرار في سورية، متسلحة بأدواتها التقليدية، الإرهاب والفوضى، لكن ما تغفله تركيا، أن الأدوات أصبحت مكشوفة لدمشق، و أن معركة الجيش السوري والمقاومة في تحرير الأراضي السورية لن تتوقف وستواصل مهامها لهزيمة الميليشيات المسلحة والجماعات الداعمة لها التي تتكبد يومياً خسائر فادحة في المعدات والأرواح في ادلب.