لا يعرف حدودا ودفعت من أجله الغالي والثمين من أجل سيادة وطنها وتحريره . انخرطت باكرا في صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائرية للنضال ضد الإحتلال الفرنسي وهي في العشرين من عمرها، ثم التحقت بصفوف الفدائيين وأصبحت المطاردة رقم 1 حتى ألقي القبض عليها عام 1957 عندما سقطت على الأرض تنزف دماً بعد إصابتها برصاصة في الكتف .
وكانت ملهمة النضال وملهمة الشعراء الذين كتبوا عنها عشرات القصائد التي تحكي قصة اعتقالها وسجنها وتعذيبها من قبل الإستعمار الفرنسي. فكانت مدرسة نضالية لأجيال عديدة نهلت منها حب الوطن والدفاع عنه.
دُعيت قبل أيام الى تونس كضيفة شرف في مهرجان أسبوع المقاومة والتحرير باعتبارها أيقونة النضال والمقاومة في العالم العربي. وكان لي شرف اللقاء معها في جلسة خاصة رائعة بمعية أصدقاء من لبنان والجزائر وتونس بينهم المفكر اللبناني فيصل جلول ، فكان لقاء من العمر والتاريخ سيظل محفورا في وجداني ، هي التي ترفض إجراء الحوارات واللقاءات الصحفية وكذلك تحاول ان تخفي وراء ابتسامتها الجميلة عدم ارتياحها للأضواء والكاميرا . ولكنها بكل رقي ومحبة تقبل طلب المعجبين بقصة نضالها لأخذ صورة تذكارية معها.
جميلة بوحيرد الآن معنا ...هي التي تختزل تاريخ الجزائر المشرف وثورة المليون شهيد وحكايا الفدائيات والأبطال العربيات ...فكيف يمكن أن ننظر لهذا الشعاع المنبثق من عينيها . بلكنتها الجزائرية المحببة ترحب بضيوفها وتعبر عن حبها لتونس وتقول :«انا ابنة تونس ووالدتي أصيلة صفاقس» ...تحدثنا معها عن الوضع في العالم العربي وعن سوريا ...سكتت برهتة وبصوتها الخافت عبرت عن ألمها العميق لما تتعرض له سوريا . وقالت انها فخورة لأنها حازت على الجنسية السورية».
لأول مرة أجد نفسي أمام رهبة هذه القديسة ، وتتهادى الى مسامعي من بعيد...من عمق الشام صوت شاعرنا الكبير نزار قباني وهو ينشد قصيدته الرائعة عن جميلة « الإسم جميلة بوح يرد ... رقمُ الزنزانةِ: تِسعُونا...في السجن الحربيَّ بوَهران ...والعمرُ اثنانِ وعشرُونا ...عينانِ كقنديلي معبَدْ ...والشعرُ العربيُّ الأسوَدْ كالصيفِ .. كشلاَّلِ الأحزان».
ومن جبال لبنان الشامخة ، ينطلق صوت فيروز وهي تغني « جميلة، صديقتي جميلة، تحية إليكِ حيث أنتِ ... في السجن في العذاب حيث أنتِ...
تحية إليك يا جميلة، من ضيعتي أغنية جميلة ...وخلف بيتي لوزة تزهر وقمر أخضر... وموجة رمليّة من شطّنا تّبحر... تحية إليك يا جميلة ، يا وردة الجزائر الجميلة... قصتك الأحب من طفولة تزرع وجه الشمس بالبطولة».
يا جميلة وطننا العربي ...كم نحتاج الى دماء ثورية كدمائك وسط هذا القحط الوطني الذي نعيشه، كم نحتاج الى روح وطنية كروحك النقية ، كم نحتاج الى صلابتك وحزمك وايمانك العميق بتراب الوطن وقدسيته . كم نحتاج الى الف جميلة وجميلة والى جيش من النساء الأبطال لنعيد ترميم وجه عالمنا العربي الذي تدمر على أيدي الغزاة والطامعين .
من سوريا الى ليبيا ...وطننا العربي جريح يا جميلة فماذا ترانا نفعل ...فهلا نستعير صوتك قليلا لنهتف به عاليا « لن تمنعوا الوطن العربي من أن يصبح حرا مستقلا ...لن تمنعوا فلسطين من أن تصبح حرة مستقلة».