خرج مئات الآلاف من المحتجين بسبب فرض ضريبة جديدة إلى الشوارع الفرنسية يرتدون السترة الصفراء التي تحولت إلى حركة واسعة لمعارضة الحكومة، هذا ما يعد أخطر تحد يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى الآن خلال فترة حكمه، ومع الاحتفال بالذكرى الأولى لتأسيس هذه الحركة يتبادر إلى أذهاننا الآن السؤال التالي: هل حققت حركة «السترات الصفراء» أهدافها؟.
شكلت الاحتجاجات المستمرة أكبر حركة احتجاجية خلال السنوات الأخيرة في فرنسا ولكن المثير فيها هي سرعة الانتشار الجغرافي، حيث أصبحت تتصاعد نتيجة إطلاقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت في البداية سلمية لكن البعض منها اتخذ مساراً عنيفاً و اشتبك المتظاهرون مع شرطة مكافحة الشغب التي كانت تتعامل بالكثير من العنف مع المتظاهرين مما جذب انتباه منظمات حقوق الإنسان، هذا مما أدى إلى تراجع قوتها في الشارع حيث لم تُعد قادرة سوى على حصد بضع آلاف من المتظاهرين ، وعانت هذه الحركة عانت المزيد من الفشل لم تتمكن من دخول الحياة السياسية من بابها الواسع. ففي الانتخابات الأوروبية التي جرت في ماي السابق، لم تحصد القائمتان المنبثقتان عن الحراك سوى 0,54 % و0,01 % من الأصوات وبذلك لم تحققا نجاحاً كبيراً من حيث الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية فحسب ، بل عانت أيضاً من قمع الشرطة وتشويه المفاهيم.
من دون أدنى شك، لا يخفي المراقبون الدوليون أن حركة «السترات الصفراء التي مثلت غضب أبناء الطبقات الوسطى، التي تعاني من الفقر، وسكان المدن والأحياء المهملة أصبحت جزءاً من الماضي، وأن فرنسا بالفعل استطاعت قلب تلك الصفحة بالرغم من تحذير بعض الصحف الفرنسية من تعالي ماكرون على مطالب المحتجين حتى لا تخرج الأمور عن سيطرته. في المقابل حققت حركة السترات الصفراء العديد من النقاط الإيجابية حيث هزت هذه الحركة الأجندة البرلمانية بالكامل، وتمكنت من إجبار الرئيس ماكرون على التراجع عن قرارات رفع أسعار الوقود، كما خصص الرئيس 17 مليون يورو للمساعدات وخفض الضرائب، إلى جانب الدعوة إلى حوار وطني موسع للتعرف على مطالب المواطنين، بذلك لعبت هذه الحركة دوراً مهماً في إيقاظ وعي المواطنين عندما يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية أو فرض الضرائب الزائدة، و سمحت للمواطنين بمناقشة الحلول، كما ساعدت على خلق روح الترابط والتعاون بين الفرنسيين، وبالتالي يمكن النظر إلى هذه التظاهرات على إنها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، فالفرنسيين لم يعودوا يخافون من الشرطة، أو رد الفعل العسكري على الاحتجاجات.
مجملاً... ما تزال حركة السترات الصفراء تشكل أخطر أزمة تواجه الرئيس ماكرون منذ تسلمه السلطة ، وبالرغم من مساعيه لاحتواء الحركة، لم ينجح في ذلك بشكل كلي، ولا تزال السترات الصفراء حاضرة في مشهد الاحتجاجات، كما أن ماكرون يخشى أن تتقاطع وتلتقي مطالب السترات الصفراء مع مطالب باقي الفئات المهنية الأخرى على أرضية اجتماعية وسياسة واحدة، مما تشكل عنصر ضغط كبير عليه، وبذلك تتحول إلى عامل يوحد نضالاتها وصفوفها، وبالتالي ستكون بمثابة الضربة القاضية لأهدافه وطموحاته للترشح لولاية ثانية. وباختصار شديد يمكنني القول، إن الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الفرنسية من شأنه أن يرفع من منسوب التوتر في البلاد ويصعّد من تحركات السترات الصفراء الاحتجاجية مما يؤدي إلى فقدان باريس توازنها وقدرتها على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، فأصحاب السترات الصفراء اليوم ينتفضون ضد ما اعتبروه تخاذل الحكومة الفرنسية في تحقيق متطلبات واحتياجات هذه الحركة، لذا ينبغي على ماكرون وحزبه أن يظهرا التزامهما بحرية التعبير والتجمع السلمي وتلبيه كافة احتياجات المجتمع الفرنسي بكل فئاته.