الأخيرة في تركيا ليست مجرد انتخابات محلية، بل هي بروفة عامة للانتخابات المقبلة، فسقوط العاصمة أنقرة وكذلك إسطنبول اللتين تعتبران من أكبر وأهم المدن التركية، في أيدي المعارضة التركية يعتبر بمثابة ناقوس خطر يُنذر بقرب إنهيار النظام الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهنا يقتضي التساؤل التالي: هل سيبقى أردوغان حتى نهاية فترة ولايته العادية في القصر الرئاسي بعد هزيمته في الانتخابات؟ .
إنّ حساسية الانتخابات البلدية بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية أنها تجري في ظل ظروف بالغة الصعوبة، فأجواء الوضع الاقتصادي من تراجع الليرة التركية وزيادة نسبة التضخم و اللجوء إلى العملة الأجنبية وفضائح الفساد التي تهيمن على المشهد التركي، وطريقة تعامل الحكومة التركية مع التظاهرات وغيرها التي أثارت التنديدات، والصراع مع المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بلغ مرحلة غير مسبوقة، وفي الخارج فإن سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية ، وخلافات مع العراق ومصر، ومشاركة فعالة في ضرب ليبيا وتخريبها، وتورط في تفاصيل الحرب السورية، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة التي يقودها اردوغان شخصياً.
في هذا السياق كشفت نتائج الانتخابات المحلية التركية، عن تراجع كبير في شعبية الرئيس رجب أردوغان، بعدما خسر الحزب مقعده في عدداً من المعاقل الهامة مثل العاصمة أنقرة، واسطنبول، ومرسين الكبرى، وإزمير، وأضنة، وأنطاليا، بعدما بقيت أكثر من 16 عاماً تحت سيطرة الحزب الإسلامي بزعامة اردوغان، الذي وصف معارضيه بأنهم داعمين للإرهاب، وهدد بمعاقبة المدن التي صوتت لصالح خصومه عن طريق تقليل الميزانية هناك. في نفس السياق تلقى الرئيس أردوغان ضربة شديدة في الانتخابات الحالية والتي ستعقبها تبعات خطيرة قد تؤدي إلى الإنهيار التام في الانتخابات المقبلة، وبالتالي فإن حسابات المعركة الرئاسية معقدة وإن كان أردوغان يمسك بخيوط اللعبة ومفاتيح الفوز إلى حد كبير، وفي مقابل إستراتيجية أردوغان هذه فإن القوى الأخرى تعمل بكل ما لديها من قوة وأوراق لإزاحة أردوغان وحزبه عن السلطة، فهاجس الجميع في هذه الانتخابات هو الإنتصار على الخصم، والنتائج ستكشف القوة الحقيقية للجميع في الشارع، كما ستكشف سيناريو الحكم في المرحلة المقبلة، إذ أنه من الممكن أن يعين قبل انتهاء فترة ولاية أردوغان خلفا له، ومن الممكن أيضا أن تنشأ حركة إسلامية محافظة جديدة، فأصدقاء سابقون لأردوغان والمقربون منه يعتزمون تأسيس حزب جديد، وفي حال قيامهم بهذه الخطوة فإنه من الممكن أن يرفض نواب من حزب العدالة والتنمية تأييد أردوغان وينتقلوا إلى الحزب الجديد وإعادة النظر في اللجان السياسية والمستشارين في القصر الرئاسي، هذا مما يشكل خطراً على مشروع اردوغان الذي يعيش حالة من القلق والانفعال وخيبات الأمل . مهما يكن، إن نتائج الانتخابات المحلية لن تغير كثيراً من صورة الموقف السياسي في البلاد، على العكس ثمة سيناريوهات قوية في أن يؤدي تكرار فشل أردوغان في الانتخابات القادمة إلى تصدع كامل في صفوف حزبه الحاكم وخاصة بعد تراجع شعبيته في الانتخابات الماضية، وهي فرصة لخصوم أردوغان للاجتماع مجدداً بعدما أثبتت التجربة السابقة أنه بإمكانهم حجز حصة مؤثرة في الانتخابات وتغيير مسار البلاد السياسي، لذلك يبدو أن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في تركيا، ومن هذا المنطلق يجب على أنقرة أن تتأهب لمرحلة جديدة، فاضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، وأن النار تحت الرماد.