إلى أجزاء ومعالجة كل جزء على إنفراد حتى تذوب من تلقاء نفسها وتفقد زخمها وبعدها السياسي، وبالتالي إفتقادها صفة الترابط الذي يجمعها كقضية تمثل شعباً عربيا واحداً فقد موطنه وأرضه نتيجة لإنشاء إسرائيل على جزء من أراضيه.
فموضوع قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المُحتلة يُعارض الإرادة الدولية وضد القانون الدولي، فالولايات المتحدة يمكنها أن تُشرعن تلك الخطوات وفقاً لقوانينها هي فقط ولا تستطيع أن تفرضها على باقي دول العالم، أي أن قرار إدارة ترامب لاغ وباطل بحكم القانون الدولي، إذ لا يحق لدولة أن تغيّر القانون الدولي من تلقاء نفسها أو وفقاً لأهوائها، فالقرار قد يدخل حيز التنفيذ على الجانب الأمريكي، إلا أنه لن يتسنى تنفيذه دولياَ، إذ لا تعترف القوى الدولية، من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية والآسيوية وغيرهم، بأن هذه الأرض إسرائيلية، بل هي أرض سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بالتالي أن هذا القرار لا يغير شيئاً من هذه الحقيقة، كونه يتعارض مع القانون الدولي، ولا يُساعد على تحقيق الاستقرار في المنطقة.
وبموازاة ذلك فإن استمرار إسرائيل في احتلال الجولان، وتكريسها هذا الاحتلال على أرض الواقع، يحمل فضلاً عن كونه حلقة من حلقات التوسع الاستعماري وركيزة أمنية إستراتيجية، معنًى آخر بالنسبة إلى قادة إسرائيل الإرهابية، فهو محاولة لترويض سورية، وتطويعها، والتسليم بحقيقة إسرائيل الواقعة في قلب الوطن العربي ضمن إستراتيجيتها التي تضمن هيمنتها على المحيط العربي والشرق أوسطي، وهذا ما يعطي الجولان بعداً سياسياً لعله أخطر وأهم بكثير من أبعاده الأمنية والاقتصادية.
فالمراقب للسياسات الأمريكية التي ينتهجها ترامب يرى بدون أدنى شك أن هذا القرار لا قيمة له، والولايات المتحدة مشاركة في كل القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن التي تؤكد أن الجولان سوري، و أن مصير الجولان لا يرتبط بقرار أمريكا، بل إن قرار ترامب سوف يضع أمريكا في حرج كبير داخل مجلس الأمن، كما يؤكد هذا القرار أن نتنياهو في أزمة، وهو مقبل على الانتخابات، لذا رأى ترامب دعمه، كما يريد أيضاً اللعب بتلك الورقة من أجل استمالة اللوبي الصهيوني، للبقاء في الحكم لفترة ثانية، وانطلاقا من ذلك أرى أن الهدف من تلك القرارات إعلامي بالدرجة الأولى، قبل أن يكون سياسيا، من أجل التأثير على معنويات الأطراف الأخرى مثل السوريين والإسرائيليين، وهي ألاعيب سياسية رخيصة و تطاول وعدوان على مرتكزات النظام الدولي، ومحاولة للاستفراد فيه والهيمنة عليه وتغييره وهذا من شأنه تدمير العلاقات العالمية القائمة على مجموعة واسعة من الاتفاقيات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتصبح القوة هي الناظم الوحيد لتلك العلاقات وليس الاتفاقيات الدولية.
في نفس السياق إن إعلان الرئيس الأمريكي ترامب حول الجولان السوري المحتل مسألة خطيرة، لها أبعادها وتداعياتها الكبرى، التي ستنجلي وتتضح خلال الفترة القادمة. وهذه الخطوة تؤكد انحيازا تاما للكيان الصهيوني الإرهابي، وإرضاء كاملا لجماعات الضغط اليهودية ومحاولة لتنفيذ أحد وعوده الانتخابية بعد أن اهتزت مكانته سياسياً داخل البيت الأبيض ، وفي الوقت نفسه فإن هذا الإعلان الأمريكي سيحول الجولان إلى ساحات غضب شعبي عارم وجارف تحت أقدام الصهاينة المحتلين، وهذا سيشعل دون أدنى شك الأجواء ليس فقط في الجولان ، وإنما أيضاً في معظم الدول العربية، بل قد يشجع هذه الدول أن ينسوا خلافاتهم الداخلية، وينضموا إلى العمليات القتالية ضدّ إسرائيل الإرهابية.
أختم مقالتي بالقول إن دمشق هي الحصن المنيع بوجه الكيان العبري وبوجه إجرامه، فلقد أظهرت جدارتها في مقاومة عدو يدوس على الكرامة الإنسانية، لذلك فإن المنطقة اليوم تدخل في مرحلة جديدة سيكون عنوانها التغيير، وسيتمخض عن المعركة الدائرة مع العدو ولادة شعب عربي متحرر من خوف الأعداء، وسينتج عنها إستعادة المحور المقاوم لدوره، وتعزيز ثقافة المقاومة بين شعوب المنطقة، المستندة إلى برنامج وطني نضالي واحد هدفه تحرير الجولان السوري والأراضي المحتلة، وفي إطار ذلك ومهما حاول أعداء الأمة تغييب قضية الجولان عن الشعوب العربية فإنها لن تغييب وسيبقى الجولان وقود الثورات العربية وسيبقى في قلوب كل السوريين ولن يغيب عن أذهانهم وسيبقى حافزاً لتحركاتهم وثوراتهم.