2017 : أوروبا في مهب الريح: المشروع الأوروبي بين «البريكسيت» و صعود القومية المتطرفة و خطر الانفصال

مع انتهاء عام 2017 تكون أوروبا قد شهدت إحدى السنوات الأكثر خطرا على تماسك مؤسساتها وتواصل وحدتها بعد مرور 60 سنة

على تكوين السوق المشتركة في روما. بعد دخول إيطاليا و اسبانيا في عدم الاستقرار الحكومي في أواخر عام 2016، شرعت أوروبا رسميا في مفاوضات الانفصال مع بريطانيا العظمى في مارس، و تعاظم دور الأحزاب القومية المتطرفة مما أدى إلى هزات سياسية مع تحرر بعض الدول مثل بولونيا و المجر من المبادئ و القيم الأوروبية المشتركة و بروز أحزاب انفصالية في اسبانيا و فرنسا. لكن صعود إيمانيول ماكرون لقصر الإيليزي استبشرت به جل العواصم الأوروبية لما له من رؤية متجددة للمشروع الأوروبي ترتقب تشكيل الحكومة الألمانية للانطلاق في عملية إعادة بناء الإتحاد الأوروبي.

الطلاق مع بريطانيا العظمى في عيد ميلاد الإتحاد الأوروبي الستين
أربعة أيام بعد الاحتفال بانطلاق المشروع الأوروبي في مدينة روما قدمت الحكومة البريطانية وثيقة الطلاق الرسمية من الإتحاد الأوروبي. و كان الحدثان رمزا لدخول أوروبا في مرحلة تاريخية دقيقة يهددها شبح الانفجار والانحلال. قمة روما المنعقدة يوم 25 مارس أطلقت مرحلة إعادة النظر في المشروع الأوروبي و أكدت على إمكانية توخي هيكلة جديدة للإتحاد تجنبه الهزات و تدفع بالدول الأوروبية إلى التصدي لتنامي دور البلدان الكبرى و حماية التراب الأوروبي من تفشي الحركات الإرهابية. في المقابل تمكنت المفوضية الأوروبية من جبر تريزا ماي الوزيرة الأولى البريطانية، التي خرجت ضعيفة من الانتخابات التشريعية لشهر جوان، على قبول الشروط الأوروبية في ملف «البريكسيت» بما في ذلك دفع ما تخلد لديها من أموال لميزانية الإتحاد قدرت ب45 مليار يورو و الحفاظ على حقوق المقيمين الأوروبيين و فتح الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا.

الإرهاب يوحد الأوروبيين
ضرب «داعش» الارهابي في 5 مناسبات فرنسا واسبانيا وبريطانيا التي تحملت ثلاث عمليات ارهابية في لندن ومانشستر. وخلفت كل هذه العمليات الإرهابية 51 قتيلا من مختلف الجنسيات الأوروبية وغيرها وعشرات الجرحى. و ساهم ذلك في توحيد كلمة الأوروبيين ضد إرهاب الجماعات الجهادية الإسلامية وعاون الحكومات على تمرير قوانين زجرية جديدة تشدد الخناق على الحركات والمسالك الإرهابية على التراب الأوروبي. وساند الرأي العام الأوروبي العمليات العسكرية للتحالف الدولي في سوريا والعراق والتدخل الفرنسي والألماني في الساحل الإفريقي لمقاومة تنظيم القاعدة و«داعش» الارهابي. وساهمت أوروبا بشكل فعال في نجاح التحالف في تحرير مدينة الموصل ومدينة الرقة حتى أن الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون أعلن رسميا عن هزيمة داعش في الأسابيع القادمة.

إيمانويل ماكرون رجل أروبا الجديد
إنتخاب إيمانويل ماكرون (39 سنة) على رأس الدولة الفرنسية في 7 ماي 2017 أدخل فرنسا و أوروبا في نهج جديد ساعد عليه شباب الرجل ووضوح نظرته للدور الفعال الذي سوف تلعبه فرنسا، القوة النووية الوحيدة في الإتحاد، على المستوى الأوروبي والعالمي. على المستوى الداخلي كان انتخاب ماكرون تسونامي سياسي فجر الأحزاب التقليدية التي لم تستفق بعد من الزلزال الذي هز أركانها وجعل عديد الشخصيات المنتمية لها تلتحق بحزب «إلى الأمام» الذي شكله الرئيس الجديد لفرض رؤيته الجديدة للأنموذج الفرنسي و للمشروع الأوروبي والذي حدد ملامحه في خطابين هامين الأول ألقاه في أثينا و الثاني في جامعة الصوربون. و أظهر ماكرون قدرة فائقة على طي صفحات الماضي و الشروع في بناء دور جديد لفرنسا في أوروبا و إفريقيا. لكن لقاءاته مع كبار العالم (بوتين و ترامب) أبرزت أنه قادر على لعب دور فعال على المستوى الدولي بالرغم من أن فرنسا لم تعد تكتسب القدرة العسكرية التي أسست في الماضي دورها الإمبريالي.

مخاطر التطرف و الانفصال
أهم المخاطر الداخلية في أوروبا هو شبح الانفصال الذي جذب أنظار الأوروبيين يوم أن نظمت حكومة كتالونيا الإقليمية استفتاء حول الاستقلال يوم غرة أكتوبر و أعلنت نجاحها في إرساء نظام جمهوري. مما أدى إلى تدخل مدريد و حل البرلمان و الحكومة . لكن تنظيم انتخابات إقليمية جديدة أسفرت عن نجاح متجدد للانفصاليين مما أدخل اسبانيا في مأزق جديد. الخروج من الأزمة يمر عبر الحوار لاستحالة قبول الإتحاد الأوروبي بغير الطرق السلمية في حل القضايا الداخلية. لكن الأحزاب الانفصالية في اسبانيا، وإن تمسكت بشرعية صندوق الاقتراع، تبقى أحزابا متطرفة في نهجها السياسي مثلها مثل التنظيمات السياسية الأخرى التي برزت في هولندا و فرنسا و إيطاليا والمجر والنمسا. و تشكل هذه الأخيرة مثالا للمخاطر التي تهدد أوروبا بعد أن قرر حزب المحافظين تشكيل تحالف حكومي مع حزب اليمين المتطرف ومنحه ستة حقائب وزارية من بينها 3 سيادية تهم الداخلية والخارجية والعدل. تحول الناخبين تجاه مساندة الحركات الشعبوية المتطرفة أربك وحدة الإتحاد الذي يعاني من كتلة تضم 12 دولة ترفض هيمنة المفوضية الأوروبية و بعض القوانين المشتركة. وهو ما دفع بالمجلس الأوروبي إلى اتخاذ قرار متابعة الدولة البولونية لعدم احترامها دولة القانون بسن قوانين جديدة تمكن الحكومة من التحكم في القضاء و الإعلام العمومي وعدم الالتزام بالقوانين والمبادئ المشتركة.

المشروع الأوروبي ينتظر خروج المستشارة الألمانية من مفاوضات تشكيل الحكومة بعد فوزها بولاية رابعة تاريخية في انتخابات سبتمبر الماضي. الثنائي الألماني الفرنسي هو في آخر المطاف القاطرة الأساسية التي سوف تجر الإتحاد الأوروبي إلى الأمام و تساعد على تركيز دوره الاقتصادي الريادي و تشكيل المشروع العسكري الأوروبي الضامن لأمن دول الإتحاد مع تعدد الأقطاب السياسية والعسكرية في العالم. لكن ذلك لن يكون ممكنا بدون إعادة هيكلة مؤسسات الإتحاد حول المشروع الفرنسي الذي تشاطره أنجيلا ميركل والقاضي بإرساء مرونة أكبر في اتخاذ القرار بعيدا عن فيتو الدول الصغيرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115