انفصال الأكراد والحلم الإسرائيلي

في الوقت الذي تعمل فيه «إسرائيل» على إزالة الحدود بين دول منطقة الشرق الأوسط، يعمل الأكراد على وضع الحواجز الرملية والخنادق على الطرقات خاصة المناطق التي سيطروا عليها ، لذلك ليس من المستغرب أن يكون الكيان الصهيوني الوحيد تقريباً على مستوى العالم الذي أعلن دعمه للاستفتاء الذي أصرت رئاسة إقليم كردستان العراق على إجرائه لفصل

هذا الإقليم عن العراق، ويأتي هذا الموقف منسجماً مع سياسة إسرائيلية تاريخية مع أكراد العراق منذ عقد الستينيات، ويعيد ذلك إلى الأذهان ما كان قد تردد عن علاقة الملا مصطفى البرزاني بإسرائيل، أو ما تردد بعد غزو العراق عن النشاط السياحي والبترولي الإسرائيلي في مناطق الأكراد.
كما تعكس الحال التي وصلت إليها سوريا مؤخراً دليلاً آخر تقدمه أمريكا على مدى الخراب الذي تخلفه وراءها في كل مكان تتدخل فيه ، حيث سعت في إطار دولي إلى تحقيق مشروع سياسي كردي في سوريا قد يكون نواة لدولة كردية أكبر، تضم لها لاحقاً مناطق التواجد الكردي، في شمال وشمال شرق سوريا، ليضعف سوريا إستراتيجياً، ويضمن تحقيق المصالح الإسرائيلية في سوريا، متمثلة في الهدف الإستراتيجي وهو تهديد وحدة وتماسك الأراضي السورية، ويطرح نفسه كبديل في يد الغرب لمشروع «داعش».

ليس التدخل الإسرائيلي في العراق أمراً مستجداً أو فريداً من نوعه، ويمكننا حصر مصلحة الكيان الصهيوني بقيام دولة كردية مستقلة في التالي: إطلاق مخطط إعادة تقسيم دول المنطقة الكفيل بإنهاء خطر الدول الكبيرة على «إسرائيل»، والتأسيس لواقع إقليمي بديل يرتكز على دويلات صغيرة طائفية وعرقية ودينية من شأنه أن يعطي للكيان الصهيوني القدرة على السيطرة والهيمنة ، ومن هذا المنطلق فإن هدف «إسرائيل» الإستراتيجي هو عدم السماح للعراق أن يعود إلى ممارسة دور عربي وإقليمي، كون العراق الغني بالنفط من ناحية والقوي عسكرياً من ناحية أخرى تشكل أكبر تهديد لإسرائيل، وبالتالي فإن تقسيم العراق هو من أهم الإستراتيجيات الإسرائيلية، بالإضافة الى فرض وجود «إسرائيل» في المنطقة، ومن هذا المنطلق ليس سراً على أحد أن «إسرائيل»وحدها وقبل غيرها هي الطرف المستفيد قبل أي طرف آخر من التحولات الحادة التي تحصل في المشهد العراقي، وليس سراً أن أول شحنة نفط كردية وصلت تل أبيب فعلاً وسط مظاهر الإحتفال الإسرائيلي في وقت إنشغل العرب والعراقيون بأزماتهم، في إطار ذلك من الواضح تماماً أن التحولات في العراق قفزت بالعلاقات الإسرائيلية الكردية إلى مستوى الإنتاجية الفعالة والإستراتيجية، فضلاً عن الإستيلاء على النفط على حساب الأمن القومي العراقي ووحدة العراقيين في المنطقة، وأشار إلى ذلك تقرير صحفي أمريكي كشف المخطط الجديد وجاء بنصه «مخطط إسرائيلى جديد يتم تنفيذه الآن، يعتمد على نقل اليهود الأكراد من إسرائيل إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى فى شمال العراق»، تحت ستار زيارة البعثات الدينية والمزارات القديمة.

الحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن إسرائيل أصبحت تتمدد في قلب الوطن العربي وان الدول العربية مهددة بالتقسيم وإنها تسعى لعودة نفوذها وإستحواذها على مقدرات المنطقة، لذلك هناك مخاطر جمة تهدد العراق وسورية ومصر وليبيا واليمن ولبنان وفلسطين، وفي إطار ذلك أصبح يتطلب إعادة النظر في السياسات العربية وضرورة إستعادة إتفاقية الدفاع العربي المشترك والعمل باتجاه إستراتيجية تجمع وتوحد العرب وتقود للتصدي لمؤامرة التقسيم ومنع إنفصال إقليم كردستان عن العراق لان المسبحة إن إنفرطت فإن المنطقة في طريقها للتقسيم وهي تتعرض للمخاطر التي تتهدد وجودها لصالح إسرائيل الداعمة لاستقلال إقليم كردستان وإنفصاله عن العراق ضمن مخطط ما هو مرسوم للمنطقة.
مجملاً.......ربما أستطيع القول أن قوات سوريا الديمقراطية هي جزء من مشروع أمريكي إسرائيلي يحاول حرمان الجيش السوري والقوات الروسية من ثمار انتصاراتهما حول دير الزور والرقة، ولا بد أمام هذا الواقع من صحوة الضمير من قبل الشعوب العربية وأن تعي خطورة ما تقوم به الدول الإستعمارية من أهداف سعياً لتعزيز أمن «إسرائيل» في العراق وسوريا والسيطرة على مقدراتهما ونهب ثرواتهما. لذلك فإن الخيار الوحيد حالياً أمام الشعب العراقي في الوضع الراهن الإبتعاد عن التعامل مع الغرب وخاصة أمريكا، وتشكيل حلف عسكري وسياسي مع سوريا ودول الجوار المستعدة لتقديم الدعم لمواجهة العدو الذي يسعى لإضعاف الدولتين السورية و العراقية في المنطقة.

أن إنقسام البلاد إلى مناطق للسنة وأخرى للشيعة وأخرى للأكراد سيؤجج حروباً عرقية وطائفية بين أبناء الشعب الواحد، كما أن المصلحة الحقيقية لكرد سوريا مع الدولة السورية التي تعتبرهم أحد المكونات الرئيسية للمجتمع السوري ، نظراً لأن الكرد في سوريا موزعون على كامل الجغرافيا السورية، وليس ثمة جغرافيا خاصة بهم،إذ ثمة فواصل جغرافية واسعة بين مناطق تواجد الكرد، وبالتالي فأن قيام دولة للأكراد في سوريا سيبقى حلماً مستحيل التحقيق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115