والمتخلدة من جراء خروجها من الإتحاد و بملف الهجرة الأوروبية. طالب كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنيي نظيره البريطاني دافيد دايفيس بتوضيحات حول موقف بلاده من تلك المسائل المطروحة علما و أن الوفد البريطاني الذي ضم 98 شخصا قد قدم إلى بروكسل خالي اليدين.
انطلقت المفاوضات شهر جوان الفارط في دورتها الأولى بعد أن وقعت الحكومة البريطانية على مطلب الخروج الرسمي وفقا للبند 50 من ميثاق الإتحاد الذي يحدد فترة سنتين لاكتمال كل المفاوضات المتعلقة بعمليات الخروج و التفاوض في العلاقات الجديدة بين الإتحاد الأوروبي و بريطانيا. وكانت الوزيرة الأولى البريطانية تيريزا ماي قد قدمت لنظرائها الأوروبيين في آخر قمة أوروبية مقترحات في خصوص المسائل العالقة لم تلق استحسان القادة الأوروبيين. لقاء المتفاوضين في جوان وضح الأبعاد اللوجستية والتنظيمية للمفاوضات في انتظار أن يقدم كل طرف محتوى مقترحاته في هذه الدورة الثانية.
غياب المقترحات البريطانية
في حين تقدم ميشال بارنيي بجملة من المقترحات الدقيقة، جاء دافيد دايفيس بدون حقائب ولا مشاريع واضحة. وردد نفس المواقف التي أعلنتها الوزيرة الأولى. بان بالكاشف أن خلافا عميقا يفرق الطرفين: الأول يتعلق بميزانية الخروج من الإتحاد المقدرة من قبل المفوضية بما قيمته بين 50 و 60 مليار يورو التي وجب على بريطانيا تسديدها لفائدة ميزانية الإتحاد. الملف الثاني يتعلق بوضع المهاجرين الأوروبيين في بريطانيا والبريطانيين في أوروبا. وطالبت أوروبا بالإجماع في قمتها الأخيرة بالإبقاء على الوضع الحالي لجملة 5،4 مليون أوروبي مستقرين في الفضائين. لكن بريطانيا لا ترغب في وضع مواطنيها تحت سلطة المحكمة الأوروبية . الحملة لفائدة «البريكست» تمحورت بالأساس حول رفض الكلفة المالية للإتحاد والتسليم بعلوية القانون الأوروبي. وهي المواضيع التي، إن قبلتها الحكومة البريطانية، تفرغ «البريكست» من محتواه. لذلك أعطى الوفد البريطاني المفاوض صورة فريق غير جاهز للتفاوض المباشر.
خلافات بريطانية داخلية
عدم الدخول مباشرة في المفاوضات حول مقترحات واضحة نابع من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها تيريزا ماي بعد إخفاقها في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها في الحصول على أغلبية مطلقة تمكنها من تدعيم موقفها الصلب تجاه أوروبا. الوضع الجديد، غير المنتظر، المفروض على تيريزا ماي أضعف موقفها في الداخل حيث تكاثرت الانتقادات لتوجهاتها وانشق حزب المحافظين بين رافضين لسياسة الوزيرة الأولى و داعمين لها. ولم يتمكن الحزب، وكذلك الحكومة، من بلورة موقف موحد يعطي دفعا سياسيا للفريق المفاوض.
من ناحية أخرى، بدأت مضاعفات الخروج من الإتحاد تتضح مع ارتفاع بعض الأسعار و تدهور قيمة الجنيه الإسترليني و قرار بعض الشركات الكبرى هجرة المدينة المالية اللندنية في البداية الفعلية للبريكست. وهي مؤشرات تقهقر اقتصادي سوف تتعاظم مع الانفصال الفعلي مع الإتحاد في نهاية المفاوضات. و أثر ذلك سلبا في صورة الوزيرة الأولى. أصبح الرأي العام البريطاني واعيا أكثر من قبل بتبعات «البريكست» و تعالت بعض الأصوات في بريطانيا منادية بالتخلي عن مشروع الانفصال بتنظيم استفتاء جديد. لكن فرضية أن يتحقق ذلك تبقى بعيدة نسبيا لما لاحترام صناديق الاقتراع من قدسية لدى الناخب البريطاني.
العقبة الأخرى التي أضعفت الموقف البريطاني تمثلت في معارضة اسكتلندا للبريكست وحرصها على تنظيم استفتاء جديد حول الإستقلال. أما تحالف تيريزا ماي السياسي مع حزب الوحدويين الأيرلندي لتشكيل الحكومة فقد أفاق تحفظات الأيرلنديين الذين يخشون من «تطرف» الحزب الوحدوي و الرجوع إلى حلبة الصراع الداخلي. كل هذه المعطيات أظهرت الموقف الهش الذي أصبحت عليه الوزيرة الأولى و هو ما يفسر عدم قدرة المفاوضين على الحسم في محتوى الخلافات. لكن الفريق الأوروبي الواعي بهذه الوضعية أمهل بريطانيا وقتا إضافيا حتى تقدم حلولا مرضية في الخلافات القائمة.
مع العلم أن انشقاقا حصل في صلب الحكومة البريطانية بين ليام فوكس الوزير المكلف بالتجارة الدولية الذي اعتبر أن بريطانيا يمكنها «النجاة» في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع أوروبا و زميله فيليب هاموند وزير المالية الذي أقر أن الإخفاق سوف يكون له «تداعيات سيئة جدا». هذا الإنشقاق كان في صالح ... جيريمي كوربين زعيم المعارضة العمالية الذي صعد نجمه بعد الانتخابات الأخيرة و أصبح يهدد فعليا تيريزا ماي. آخر استطلاعات الرأي أعطت العماليين 46 % من الأصوات مقابل 38 % للمحافظين في صورة تنظيم انتخابات جديدة. وهي فرضية لا تزال قائمة إذا لم تتمكن الوزيرة الأولى من فرض إرادتها على حزبها.