ولا على مستوى المحركات والمطالب. لكنها تلتقى في دلالتها السياسية ورمزيتها وأكدت على ما حصل في احتجاجات دوار هيشر في الشهر الفارط، وهي ان الغضب بات يستهدف قصر قرطاج.
عاشت كل من منطقة جرجيس بالجنوب التونسي ومنطقة حي التضامن من ولاية اريانة على وقع الاحتجاجات الشعبية يوم أمس احتجاجات اندلعت لأسباب مختلفة وبفاعلين مختلفين ومتعددين والشعارات تتقاطع في دلالتها السياسية.
فالاحتجاجات التي استؤنفت صباح امس في جرجيس على خلفية حادث غرق مركب للهجرة غير النظامية وما تعلق به من تفاصيل كشفت عن تقصير السلطات الجهوية في معالجة الملف مما ولد خلال الاسابيع الفارطة حالة من الغليان غذت الاحتجاجات التي انطلقت محتشمة قبل ان تتطور نوعيا وكميا يوم امس بمشاركة ألاف من المواطنين.
مواطنون تنوعت اعمارهم وفئاتهم تجمعوا امام مقر المعتمدية لرفع مطالبهم التي تتعلق اساس بعملية البحث عن المفقودين في حادثة غرق مركب للهجرة غير النظامية في نهاية سبتمبر الفارط، اذ يطالب المحتجون الذين طردوا والي مدنين بالتسريع في عملية البحث عن المفقودين وبإصدار نتائج التحليل الجيني للجثث التي عثر عليها خلال الايام الفارطة ودفن بعضها دون التثبت من هوية اصحابها.
هذا الغضب الذي ولدته سياسات السلطات الجهوية في التعاطي مع ملف المركب الغارق ووفاة 18 تونسية وتونسي تضاعف امس حينما انتقلت الاحتجاجات من مطالبة بسرعة تدخل السلطات الى اقالتها وهو المطلب الذي رفعه المحتجون مباشرة الى رئيس الجمهورية قبل ان تتطور الاحداث بسرعة لتكون رفضا لوجود اي ممثل للسلطة في المنطقة بسبب تجاهل السلطات المركزية للفاجعة وعدم تدخلها.
تسلسل الاحداث وتطورها تزامن مع تطور المطالب. من زيارة الرئيس للجهة وعقد اجتماع للمجلس الوزاري الى طرد للوالي ومعتمد الجهة ورشقهما بالحجارة له دلالته السياسية التي يتكرر انتاجها في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة حي التضامن والانطلاقة من ولاية اريانة يوم امس على خلفية وفاة شاب من المنطقة متأثرا باصابته بعد ان اودع في المستشفى به منذ نهاية اوت الفارط على اثر تعرضه الى العنف من قبل اعوان امن.
احتجاجات حي التضامن وحي الانطلاقة التي استمرت الى مساء امس وشهدت مواجهات بين الامن والمحتجين حملت بدورها شعاراتها التي لم يطل زمن رفعها من قبل المحتين على خلفية تطور الاوضاع الى اشتباكات بينهم وبين الامن الذي لجأ الى تفريقهم بقنابل الغاز الميل للدموع.
احتجاجات في ظاهرها اختلفت اسبابها ومحركاتها والجهات التي استهدفتها ولكنها وجدت ما يجمعها في نقطة الدلالات السياسية التي تعبر عنها، وهي بداية الانفجار الاجتماعي الذي حذّر منه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقريره لشهر ماي الفارط.
تحذير لم تتلقفه السلطة التي كانت تراهن على ان الصورة الذهنية والرمزية لرئيس الجمهورية ستستوعب الغضب وتمتصه لتمنع تطوره الذي سينعكس سلبا على مسار 25 جويلية الذي بات يواجه اليوم ارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي وانفجاره في بعض المنطق وتطوره لاحتجاجات لم تعد تقتصر على رفع شعارات مناهضة للحكومة او الامن بل تشمل الرئيس نفسه.
احتجاجات امس الجمعية سبقتها احتجاجات مماثلة شهتها منطقة دوار هيشر في سبتمبر الفارط حينها انطلقت عملية اعادة توجيه الغضب الى قصر قرطاج بعد ان كان يوجه الى وجهات عدة تشمل باردو والقصبة بالاساس، لكن مع احتجاجات دوار هيشر التي كانت احتجاجات شعبية دون تاطير حزبي او جمعياتي بات قصر قرطاج لاول مرة منذ 2019 محل الغضب وهدفه.
في هذه المرة وفي منطقتين مختلفتين ولاسباب مختلفة تصاعد الغضب بشكل صريح ومباشر الى قصر قرطاج في اعلان صريح عن دخول الرئيس الى مرحلة تاكل صورته الرمزية التي كانت تحميه وتحول دون ان يكون محل غضب من الشارع.
اعادة توجيه الغضب ا له دلالة هامة، سيكون من الخطإ ان تفسره الرئاسة على انه محاولة تأمر او توجيه من قبل خصومها «خوفا» من الارادة الشعبية فبهذا تهدر على نفسها فرصة لادارك حجم الازمة التي باتت فيها حينما احتكرت كامل العملية السياسية وحالت دون تشكل احزمة حولها واختزلت المسار السياسي في مشروع البناء القاعدي وغفلت عن اولويات الشارع ومطالبه.
دلالة احداث يوم امس وطرد السلطة الجهوية، لا تتعلق بعودة الشارع التونسي الى مرحلة «ديغاج» بل الى الانفجار الاجتماعي الذي وقع التحذير منه في طور الانتقال من «البحث عن خلاص فردي» الى استهداف المؤسسات واسقاطها اذا استمرت معالجة الاوضاع بذات المقاربة التي تابي استيعاب مختلف عناصر المعادلة.