والقصد هنا انه يعلن للمرة المائة ان الحوار ومخرجاته سيكونان على طريقته لا على طريقة من يضغطون عليه.
في لقائه امس مع وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق، اختار الرئيس ان يجمع بين حديثه عن الفساد وبين نهب المال العام مع تحديد شكل الحوار الذي يريده، وقد أشار الرئيس الذي قال انه من بين المطالبين اليوم بحوار وطني الى وجود من تورطوا في قضايا رشاوى ونهب المال العام.
هؤلاء الذين يقول الرئيس انهم يطالبون بالحوار الوطني يجيبهم بان «الحوار الوطني سننظمه مع االشعب التونسي لا مع ناهبيه». فالأهم من الحوار ومضمانيه لدى الرئيس هوية من يحاوره. وهو يشدد على انه مع حوار يجمعه بـ«الغلابة والمساكين» وليس مع من استولوا على قوتهم كل حين وكل يوم.
التنكيل بالتونسيين له اوجه عدة، ومنها ما تحدث عنه لدى استقباله لوزير املاك الدولة الذي قال له متأسفا «حتى من ينادون بما يسمى بالحوار متورطون في هذه القضايا» ليستنكر لاحقا المطالبة بحوار «مع من اخذ الرشاوى ومع من قدمها».
تحديد شكل الحوار الذي يرفضه الرئيس، والذهاب الى جعل مطالبة الاخرين له بحوار لا يقصى الاحزاب والمنظمات بمثابة دعوة إلى الحوار مع «ناهبي المال العام» تلك استراتيجية الرئيس في تضيق الخناق على الاخرين ووضعهم امام حقيقة وحيدة وهي انه لن يتحاور الا «مع الشعب» وهو يعلن عن ذلك بقوله ان «الحوار الحقيقي سينظمه مع الشعب التونسي».
ما لا يقوله الرئيس ويترك للاخرين مجالا للتأويل والفهم، ان الهدف من الحوار الذي سيتجه اليه ليس توسيع قاعدة التوافق مع الاحزاب والمنظمات ورسم ملامح المرحلة القادمة بل هو عودة للشعب والاستماع اليه ومعرفة مقترحاته ومطالبه التي سيقع نقلها الى المركز وتنزيلها ضمن تصورات شاملة.
هذا الحوار الذي يسوق له الرئيس على انه انتصار للشعب، هو آليته لفرض سياسة الامر الواقع على الفاعليين السياسين في البلاد والمنظمات التي لم تخف خشيتها من انفراد الرئيس بالراي والقرار والى تعمده عدم التشاور وعدم الحوار معها لوضع تصورات مشتركة للتعديلات الدستورية او لتنقيح قانون الانتخابات وغيرها من الاصلاحات السياسية.
تذمر الاجسام والهياكل الوسيطة من احزاب ومنظمات وتعبيرها عن عدم رضاها لم يغير من موقف الرئيس فهو مصر على ان حواره سيكون مع الشباب في الجهات ومع عموم الشعب عبر تطبيقة تمكن الجميع من المشاركة.
اصرار الرئيس على جعل الحوار حصريا مع الشعب وللشعب. ليس فقط من اجل اعلان التزام الرئيس بمقولاته في الحملة الانتخابية او ما لحقها من تعهدات منذ تقلده لمنصبه، بل هو لمنع اي انحراف بالحوار عن مقصده الذي رسمته الرئاسة.
فرئاسة الجمهورية وعلى لسان الرئيس سعيد اشارت الى ان هذا الحوار سيكون مفتوحا وشاملا، وهنا حددت بشكل استثنائي ان من مضامين الحوار المزمع انطلاقه نقاط سياسية، وهي القانون الانتخابي ونظام الحكم.
هذا يفسر إصرار الرئيس على ان لا يسمح بانفلات الحوار من بين يديه، فذهابه الى حوار يجمعه مع الفاعليين السياسين والاجتماعيين سيجعله في وضع غير مريح باعتبار ان مشروعه السياسي لا يحظى بدعم أقرب الاحزاب اليه ناهيك عن خصومه الذين قد يوحدهم «خوفهم» من سعيد ومشروعه.
ولمنع هذا يفضل الرئيس ان يحاور الشعب ويفسح مجال المشاركة لأنصاره وأعضاء التنسيقيات التي تشكلت قبل 2019 واستمرت في عملها الى حد اليوم. لتقديم مقترحات تنسجم مع تصورات الرئيس وطموحه.
باقي التفاصيل منها حدة الخطاب ومفرداته ليست الا «عملية اخراج» تحافظ على الطابع الفرجوي للعملية السياسية في البلاد التي احتدمت اكثر من 25 جويلية.
حوار وطني أم حوار شعبي : رئيس الجمهورية يجيب الاتحاد
- بقلم حسان العيادي
- 10:48 26/10/2021
- 1130 عدد المشاهدات
الحوار مع من؟ هذا السؤال طرحه الرئيس قيس سعيد بشكل استنكاري ليعلن عن انه لن «يتحاور» الا مع الشعب التونسي لا مع من نكلوا به.