«إحداث الرجة النفسية» لدى التونسيين والقطع مع ما سبق وان على ذلك مستوى الشكل مبدئيا.
خلال الساعات الـ24 الفارطة لم يكن الحديث في تونس الا عن «التركيبة» المحتملة لحكومة هشام المشيشي، التي وقع تقديمها على انها التركيبة النهائية المسربة واستمر تداولها لساعات مما اجبر المكتب الاعلامي للمكلف بقيادة مشاورات تشكيل الحكومة على اصدار بلاغ لنفي الامر وقال ان ما رود في التسريبات «لا يعتد به».
بلاغ تضمن اشارة صريحة الى ان تركيبة الحكومية سيقع تقديمها من قبل المكلف في الاجال الدستورية المنوحة له، دون اضافة اي تفاصيل اخرى، اذ يبدو أن الأمر ترك للأحزاب البرلمانية التي اعلنت انها تلقت اشعار من المشيشي ينص على انه سيتوجه اليها بتركيبة الحكومة اليوم بعد ان سبق أن أطلعها على هيكلتها.
هيكلة وقع اشعار الاحزاب بها، وهو ما اكده اكثر من قيادي في الأحزاب البرلمانية المشاركة في المشاورات ، وقد أشارت جميعها الى ان الهيكلة المسربة للحكومة المتداولة يوم امس صحيحة، وان المشيشي قدمها لها بذات الهندسة والتسميات الجديدة للوزارات التي عكست امرين، الاول عدم تناسق في تصور المشيشي لحكومته والثاني حرصه على القطع نهائيا مع الحكومات السابقة إذا ما تعلق الأمر بالشكل والهيكلة اذ ارتأى المشيشي، وهو وزير داخلية في حكومة تصريف الاعمال، ان وزارة الشؤون المحلية لا يمكن ان تكون قائمة بذاتها او منفصلة عن وزارة الداخلية، فقرر ان يدمجهما معا لتكون وزارة الداخلية والحكم المحلي، وهذا الدمج يكشف بشكل واضح ان المشيشي يرى ان الداخلية والحكم المحلي لا يمكن فصلهما وفي هذا خطر جلي وانتكاسة تضرب مبدأ اللامركزية وفلسفة الحكم المحلي التي نص عليها الدستور.
فالمكلف جعل من فرع مستقل بذاته من السلطة تابعا لجهاز تنفيذي امني، مستلهما من تجربة ما قبل الثورة، التي لم تقتصر على افراغ مفهوم الحكم المحلي من مضونه بل وجعلته تابعا لجهاز امني مركزي، وذلك بداية الانتكاس.
في الهيكلة المقترحة ايضا، والتي اكدت قيادات احزاب، من بينها التيار الديمقراطي، انها قدمت لها في المشاورات بصفة نهائية ورسمية، نجد وزارة العدل والحريات العامة، التي تحل محل وزارة العدل ووزارة حقوق الانسان، وهذا التمشي الدامج لوزارتين نجده ايضا في ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والاستشراف، ووزارة الصناعة والتجارة وتحفيز الاستثمار، ووزارة التربية والتكوين المهني، اضافة الى وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والسياسات الشغلية ، ووزارة البيئة والطاقة والطاقات المتجددة وأخيرا وزارة السياحة والنقل.
دمج قدم على انه تمثل جديد لهيكلة الحكومة، التي شهدت حلا وتفكيكا لوزارات وادماج ما فكك في وزارات اخرى، على غرار وزارة التشغيل والتكوين المهني التي فككت لقسمين، الاول الحق بالتربية والثاني بالشؤون الاجتماعية، او وزارة الاستثمار والتعاون الدولي التي الحقت بالخارجية وبوزارة التخطيط، المستحدثة.
هيكلة شهدت اعتماد تسميات جديدة للوزارة على غرار وزارة الفلاحة وتثمين الموارد الطبيعية، وايضا وزارة المرأة والاسرة والاجيال القادمة ووزارة الشباب والرياضة والترفيه ووزارة الثقافة والفنون واخيرا وزارة الشؤون الدينية والتسامح.
هذه الهيكلة التي يبدو ان الهدف منها تقديم الحكومة الجديدة على انها في قطيعة مع السنوات العشر الفارطة، وانها مختلفة كليا عن سابقاتها سواء في الهيكلة او التسميات او الفلسفة، التي لا تبرز بشكل واضح وجلي في ما قدمه الرجل اذ ان مقاربته للحكومة وهيكلتها عصية على الفهم، في ظل تنافر «القديم» مع الجديد، أي في تنافر بين تصور قديم يجعل الحكم المحلي تابعا للداخلية ، وبين تصور حديث لأدوات الحكم واجهزته يجعل الترفيه والتسامح والاجيال القادمة احد عناوينه.
هيكلة الحكومة التي قدمها المشيشي، تتناقض مع واقع المشهد السياسي التونسي ومتطلباته، فالرجل القادم من دهاليز الادارة وكواليس الحكم يدرك جيدا ان الهيكلة الجديدة التي يقدمها تتطلب الكثير من الوقت لتستقر في «عقل» الادارة ويقع استيعابها من قبلها قبل ان ينطلق عملها، وهذا على الاقل يتطلب اشهر 6 لا يبدو انها متوفرة للرجل او الدولة.
لكن يبدو ان القطيعة مع القديم هي التي دفعته لهذا الهيكلة المختلفة كليا عن السابق، لكن القطيعة قد لا تتحقق فقط في الشكل وانما في السياسات وفي الانطلاق الفعلي في الاصلاح واستشعار الناس لتحسن وان بسيط في معاشهم اليومي.