عن كل شيء. لكنه هذا «الكل شيء» لا يجيب عن الرهانات الفعلية لتونس، وكل هذا يتضافر ليقدم مشهدا لا يعكس واقع بلد يتجه ناخبوه يوم الـ6 أكتوبر القادم إلى صناديق الاقتراع لإفراز أغلبية تحكم في السنوات الخمس القادمة.
1572 قائمة تتنافس في الدوائر الـ33 للفوز بالمقاعد الـ217، هذا الرقم على كبره لم ينعكس على حملة الانتخابات التشريعية، التي انطلقت بنسق ضعيف واستمر على ذاك الحال الى غاية يوم امس، لدى جل القائمات المترحشة، احزابا وائتلافات ومستقلين.
نسق ضعيف ميز الحملة في مختلف الدوائر الانتخابية بالداخل، ولولا التغطية الإعلامية والمساحات التي تمنح للمترشحين لتقديم برامجهم، لكان المشهد اسوء، خاصة وان البلاد تعيش على وقع الاستحقاق الرئاسي في دورا الثاني. استحقاق يبدو ان له دورا في التأثير علي الحملة التشريعية، لكنه ليس المذنب الوحيد، فاصل البلية وفق ما تكشف عنه حملات المترشحين هو بعد برامجها الانتخابية عن رهانات التشريعية.
رهانات تتعلق بالصلاحيات الفعلية للبرلمان القادم والمهام المناطة به وبالأغلبية القادمة التي ستفرز حكومتها، لكن هذا لم يجد له مكانا في الحملة، التي طغت عليها الوعود بالتنمية المحلية والقضاء علي البطالة وتوزيع الأراضي الفلاحية علي الشباب العاطل عن العمل ومئات النقاط الأخرى.
حملة ارتكزت على المحلي بشكل مبالغ فيه، وهذا قد يكون مبررا للقائمات المستقلة التي تتقدم للناخبين في الدائرة التي ترشحت فيها باعتبار انها «منهم» وتبحث عن معالجة مشاكلهم اليومية العاجلة، لكنه يصبح غير غريب بالنسبة لقائمات الأحزاب والائتلافات الانتخابية.
هذه القائمات التي تمثل حوالي ثلثي القائمات الـ1572، لم تقدم خطابا انتخابيا يعكس ان قائماتها تتبنى برنامجا وطنيا واضح المعالم ومحدد، يجيب عن الرهانات الفعلية لتونس في السنوات الخمس القادمة كتركيز المؤسسات الدستورية واطلاق الاصلاحات الكبرى ووضع سياسات عمومية، وكيفية استباق الازمات المقبلة، سواء في المالية العمومية او في اهتراء منوال التنمية.
هذه النقاط لم تجد لها أهمية في الحملة، فجل المترشحين خيروا ان تبنى إستراتيجيتهم الاتصالية على تقديم ما ينتظره الناخبون، وفق تقييمهم، الذي عاني من اختلال على خلفية نتائج الدور الاول من الانتخابات الرئاسية التي بنى عليها بعض المترشحن حملاتهم الانتخابية، باعتباها كارثة يجب الحد من تداعياتها.
ما لا يكشف في الحملة الانتخابية كثير، فجل من ترشح للبرلمان لم يكشف عن خياراته في ملف المحكمة الدستورية ولا في الهيئات الدستورية المعطلة، ولا في كيفة تفعيل عمل البرلمان لضمان نجاعته، ولا شكل الاغلبية التي قد يسعى لتشكيلها لافراز حكومة.
كل هذا غاب عن الخطاب الرسمي للحملة التي يبدو انها وزعت على اكثر من فضاء، ابرزه الفضاء العام حيث احتك المترشحون بالناخبين، دون ان يقدموا لهم تصورا عن كيفية تنظيم هذا الفضاء المشترك وكيف يقع ضمان الحريات فيه والأدوار المتداخلة.
لا قائمة قدمت برنامجها في إصلاح أجهزة الدولة ولا أفكار وقضايا كبرى طرحت في الحملة، اقتصر الحديث عن القفة والتشغيل دون كشف مفصل عن كيفية تحقيق هذا البرنامج او عن نية تغيير المنظومة القانونية التي تحول دون تحقيق مئات الوعود الانتخابية المقدمة من المترشحين. ولا تقديم التفاصيل المالية لهذه البرامج والمشاريع المزمع تنفيذها.
مئات هي النقاط المتعلقة بالرهانات الفعلية لتونس في السنوات الخمس القادمة، لكنها غابت كليا في الخطاب الحي للمترشحين الذين اغرقوا الانتخابات التشريعية في المحلي، مغفلين ان البرلمان القادم ستكون علي عاتقه مهام متعددة وهدف تحقيق الاستقرار السياسي في بلد عاش في السنوات الخمس الفارطة على وقع 4 حكومات، الصيد 1و2 والشاهد 1و2.
كل هذا غاب عن الحملة في ايامها الفارطة ولا يبدو انه سيجد طريقه في ما تبقى من ايام، فجل الاحزاب والائتلافات تتجنب الخوض في المسائل الشائكة وتفضل ان تحافظ على ما تبقى لها من امل في الظفر بمقاعد في البرمان القادم، والحفاظ على الامل يقترن من وجهة نظرها في تبنى خطاب شعبوي زبوني يعد المواطنين بجنات عدن تنضب انهارها في الـ7 من اكتوبر القادم.