قراءة وتحليل زياد كريشان
تعرضنا يوم أمس لنوايا التصويت في التشريعية والرئاسية ولأهم الدروس السياسية لهذا المشهد الجديد الذي يعطي الصدارة لظواهر جديدة تقوم جلها على الزبونية والخيروية والآن سنسعى لفهم دوافع التصويت من خلال متابعة دقيقة للسوسيولوجيا الانتخابية لأهم الشخصيات والأحزاب
قلنا في عدد الأمس أن العينة المختارة مهمة نسبيا (2706 تونسي في سن الاقتراع ) وهي تمثل ثلاثة أضعاف العينات العادية وذلك حتى نتمكن من تحليل أفضل لسوسيولوجيا الانتخاب وفق عناصر الجنس والسن والجهة والمستويين الاجتماعي والمعرفي .
من يصوت لنبيل القروي ولقيس سعيد ؟
المعطى السياسي الجديد منذ حوالي الشهرين هو تصدر الثنائي نبيل القروي وقيس سعيد لنوايا التصويت في الرئاسية، والجديد الجديد هو تحول هذه الجاذبية ، بالنسبة لنبيل القروي، من الشخصي إلى مشروع أوسع حتى وإن كان هلاميا لحد الآن إذ نجد أن «حزب» نبيل القروي يتصدر لأول مرة نوايا التصويت في التشريعية وبفارق عريض عن كل الأحزاب التقليدية في المشهد السياسي .. إذ سنسعى لمعرفة من هم ناخبو (أو من ينوون التصويت بصفة أدق ) لهذا الثنائي في الرئاسية مع الاستئناس بنوايا التصويت للقائمات المفترضة لنبيل القروي في التشريعية .
والهام في هذه المقارنة أن الثنائي المذكور أعلاه يتقاسم بندية كبيرة نوايا التصويت في الرئاسية : %23.8 للقروي و%23.2 لسعيد أي أنهما يمثلان معا حوالي نصف نوايا التصويت في الرئاسية.
-على المستوى الجهوي تتعادل نوايا التصويت للقروي وسعيد في تونس الكبرى (تونس وأريانة وبن عروس ومنوبة ) والوسط الغربي ( القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) ونجد تفوقا طفيفا للقروي في الجنوب الغربي (توزر وقفصة وقبلي ) مقابل تقدم لافت له في الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة ) بعشر نقاط (%34.0مقابل %24.3) وباحدى عشرة نقطة في الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان والحمامات ) بـ%30.8 مقابل %19.8
أما قيس سعيد فيتقدم على منافسه نسبيا في صفاقس (%27.8 مقابل %24.4) وبصفة كبيرة في ولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) حيث يصل الفارق بينهما إلى 12 نقطة (%27.6 مقابل %15.4)
-لا وجود لفوارق جندرية جوهرية في نوايا التصويت لقيس سعيد رغم غلبة الرجال على النساء عنده (%24.8 مقابل %21.8) ولكن نوايا التصويت لنبيل القروي نسائية بالأساس بـ%33 مقابل %16.4 للرجال أي على ثلاثة يعلنون نيتهم التصويت لصاحب قناة نسمة نجد امرأتين ورجل وهذا ما تؤكده كذلك نوايا التصويت للتشريعية اذ نجد ان %40.1 من النساء يعلن نيتهن التصويت لـ»حزب» نبيل القروي مقابل %21.5 للرجال .
-على مستوى الفئات الاجتماعية لا مفاجأة، فنية التصويت كثيفة للقروي عند الطبقة الشعبية (%38.5) مقابل تراجعها الكبير عند الطبقة الوسطى العليا بـ%13.6 اي عند الإطارات العليا والمهن الحرة والجامعيين ..
في المقابل ترتفع نوايا التصويت لقيس سعيد في الطبقات الوسطى وخاصة العليا منها (%27.2 مقابل تراجعها في الطبقة الشعبية بـ%16.8).
-على مستوى السن نجد توازنا عند من ينوون التصويت للقروي اذ لا يتجاوز الفارق بين النسبتين الأعلى والأدنى ثلاث نقاط (%24.9 لفئة 41 - 59 سنة و%21.9 لمن تجاوزوا الستين ) في المقابل التصويت لسعيد شبابي بالأساس (%34.6 مقابل تحرز فئة من تجاوزوا الستين من هذا التصويت (%11.1 فقط )
-لو كان كل التونسيين من أصحاب مستوى التعليم الجامعي لكان نبيل القروي في المرتبة السادسة إذ لا يحرز عند هذا الصنف سوى %7.9 من نوايا التصويت بينما يؤول حوالي ثلث أصوات هؤلاء (%31 ) إلى قيس سعيد .
نية التصويت لنبيل القروي تتناسب عكسا مع المستوى المعرفي فهي بـ%7.9 عند أصحاب المستوى الجامعي ثم تصعد إلى %25.3 عند أصحاب المستوى الثانوي وتصعد أكثر عند مستوى التعليم الابتدائي بـ%42.7 لتبلغ ذروتها عند الأميين إذ ينوي أكثر من نصفهم (%51.4) التصويت له.
أما بالنسبة لقيس سعيد فالعلاقة طردية إذ تكون نسبة نوايا التصويت لفائدته في حدود %10.3 عند الأميين ثم %13.6 للمستوى الابتدائي فـ%22.5 للثانوي لتبلغ ذروتها مع المستوى الجامعي بـ%31.0
• في المحصلة نموذج المصوت لنبيل القروي هي امرأة كهلة أمية من الشمال الغربي ومن الطبقة الشعبية بينما يكون المصوت لقيس سعيد شاب من الجنوب الشرقي من الطبقة الوسطى العليا ومن ذوي المستوى الجامعي.
ماذا عن النهضة والدستوري الحر ؟
يبدو للملاحظ أن الحزبين الأكثر تنافرا في المشهد السياسي هما النهضة والدستوري الحر فالأول يرى في الثاني أسوا ما في النظام القديم والثاني يرى في الأول عنوان الخراب والدمار الوطني ولكن هل ينعكس هذا التنافس بمثل هذه الجدية على المستوى السوسيولوجي ؟ هذا ما سنسعى الى الاجابة عنه ؟
• تتقدم النهضة على الدستوري الحر بخمس نقاط ونصف على المستوى الوطني (%16.8 مقابل %11.3) ولكن رغم هذا يتعادل الحزبان في تونس الكبرى وفي الشمال الشرقي أيضا ويتفوق الدستوري الحر على النهضة في الوسط الشرقي (%16.3 مقابل %14) ولكن التفوق واضح للنهضة في الشمال الغربي وفي الوسط الغربي ويصبح التفوق قويا بصفاقس بـ%21.5 مقابل %11.3 ولكن الفارق الأساسي بين الحزبين يحصل بكل ولايات الجنوب حيث تحصل النهضة على %29.8 بالجنوب %27.3 بالجنوب الغربي مقابل %5.1 و%3.0 فقط للدستوري الحر..
الجنوب وإن لم يكن منطقة نهضوية ولكنه بالتأكيد له نفور كبير من الدستوري الحر
• على المستوى الجندري ومع الصعود الصاروخي لـ«حزب» نبيل القروي رجعت النهضة إلى بنيتها التصويتية التقليدية إذ نجد عندها غلبة واضحة للرجال بـ%21 مقابل %11.5 وفي المقابل التصويت للدستوري الحر هو بدوره رجالي ولكن بأقل حدة (%12.9 للرجال و%9.2 للنساء ).
-اجتماعيا التصويت النهضوي يمثل نصف دائرة : انخفاض عند الطبقة الشعبية وكذلك المرفهة مقابل ارتفاع عند الطبقة الوسطى بصنفيها العليا والسفلى ، أما التصويت للدستوري الحر فهو يتناسب طردا مع ارتفاع المستوى الاجتماعي : ضعيف نسبيا في الطبقة الشعبية ومرتفع في الطبقة المرفهة ومتوسط في الطبقة الوسطى.
• على مستوى السن نوايا التصويت النهضوية تمثل أيضا نصف دائرة : ارتفاع عند الكهول وانخفاض عند الشباب والمسنين ، بينما يتناسب التصويت للدستوري الحر طردا مع السن فهو ضعيف عند الشباب (%6.0) ومرتفع للغاية عند المسنين بـ%20.2.
• على المستوى المعرفي الفروقات اقل بين الحزبين إذ تكون اضعف النسب لكليهما عند الأميين وارفعها عند أصحاب المستوى الثانوي والجامعي
• إجمالا الفروقات السوسيولوجية بين الحزبين هي بالأساس مجالية (أي جهوية):
الجنوب للنهضة والوسط الشرقي للدستوري الحر وتنافس على البقية وهي كذلك عمرية: الكهول للنهضة ولمن تجاوزوا الستين عند الدستوري الحر .
تحيا تونس والتيار الديمقراطي و«عيش تونسي» والنداء
ما يجمع بين هذه المجموعات الأربع هو حصولها على نوايا تصويت تتراوح ما بين %8.6 (تحيا تونس ) و%5 (نداء تونس) مرورا بـ%5.8 (التيار الديمقراطي) و%5.4 (لقائمات «عيش تونسي» ) مع العلم أننا أمام ثلاثة أحزاب وكائن سياسي جديد مجهول الهوية إلى حد ما باستثناء الحملة الإعلامية والاشهارية الضخمة التي قام بها خلال هذه الأشهر الأخيرة .
• على المستوى الجهوي نجد أن نقطة القوة النسبية الأساسية لتحيا تونس وللتيار الديمقراطي في تونس الكبرى بينما يسجل تحيا تونس أسوأ نتائجه بالجنوب الغربي والتيار الديمقراطي في الشمال الغربي .
أما «عيش تونسي» فحضورها مهم إلى حد ما بالوسط الشرقي (%6.8) وضعيف بالوسط الغربي (%3.3).
الحزب الفائز في 2014 نداء تونس فقد كل شيء أو يكاد فهو شبه مندثر بصفاقس (%1.1) ويحافظ فقط على حضور نسبي في الوسط الغربي (%7.2) والجنوب الغربي (%6.8).
• جندريا نجد غلبة التصويت الرجالي عند تحيا تونس (%10.3 مقابل %6.5) وعند التيار الديمقراطي ونداء تونس ولكن بصفة اقل بينما نوايا التصويت لـ«عيش تونسي» نسائية بالأساس (%7.7 مقابل %3.5).
• اجتماعيا تحيا تونس والتيار الديمقراطي أكثر حضورا في الطبقة المرفهة وعيش تونسي في الطبقة الوسطى السفلى (صغار الموظفين والتجار ..) ونداء تونس في الطبقة الشعبية.
• جيليا التصويت لـتحيا تونس ولنداء تونس حاضر بقوة نسبيا عند المسنين والتيار الديمقراطي عند الكهول، أما «عيش تونسي» فهو شبابي بالأساس.
• معرفيا تحيا تونس والتيار أكثر حضورا عند ذوي المستوى الجامعي والنداء عند الأميين و«عيش تونسي» عند أصحاب التعليم الثانوي.
خلاصات أولية :
هذه الجولة السريعة في سوسيولوجيا نوايا التصويت لا تعفينا من دراسة معمقة لدوافع التصويت ولمعرفة أدق بنوعية الطلب السياسي العام الذي تعبر عنه مختلف شرائح وفئات المجتمع ، ولكن الواضح من خلال هذه الجولة السريعة ان الفئات الاقل انخراطا في المجتمع السياسي لها مطالب لا تجد استجابة عند العرض السياسي الكلاسيكي بل تراها منجذبة لما تمثل بالنسبة لها السلطة أي الجهة التي تمنح الإعانات والامتيازات والمهن وتوزع جملة من الفوائد على الأفراد.. هذه المطالب وجدت عرضا جديدا في هذه الشبكات ما فوق الجمعوية وما تحت الحزبية وفق منهج الزبونية الجديدة وهو المنهج الذي مثل إحدى الركائز الأساسية لدولة الاستقلال من بورقيبة إلى بن علي ..
أما الخلاصة الثانية والأساسية هي أن انكفاء الأحزاب حول مشاكلها وصراعاتها ومصالحها ومواقعها وخلافاتها وخصوماتها اضر بها جميعا ولاسيما بالحزب الفائز في 2014 والذي يكاد يندثر اليوم .
لا وجود لحقيقة دائمة وقارة في السياسة، الحقيقة الوحيدة هي في تناسق العرض مع الطلب وإلا كانت بضاعة السياسي بضاعة مزجاة ينفرها الناخبون.
يتبع
في عدد يوم السبت
III – التقاطعات السياسية لنوايا التصويت
- الأحزاب الأكثر بعدا عن قلوب التونسيين