الخطاب فتونس وفي 5 سنوات انتقلت بين المحاور فمن المحور القطري ــ التركي الى المحور السعودي – السعودي وذلك من منطلق «مغازلة» المال الخليجي.
لم يخرج التعقيب الرسمي التونسي على قرار وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم يوم الاربعاء الفارط وصف حزب الله اللبناني بالارهابي عن محاولة تجميل القرار، بتأكيد وزارة الخارجية على انه اجراء تقني وليس سياسيا وانه لن يدخل حيز التنفيذ إلا بمصادقة الحكومة التونسية عليه.
لكن التعقيب ومحاولة التوضيح اكّدت موافقة وزير الداخلية التونسي، ممثل تونس في الاجتماع ومضيفه، على القرار المقترح من قبل دول الخليج بوصف حزب الله بالارهابي على خلفية الصراع السعودي الايراني في الشرق الاوسط. ليعلن بعدها وزير الشؤون الخارجية خميس الجهيناوي على إنّه لم يتم تصنيف حزب الله كتنظيم إرهابي بل تمّ ذكره في بند من البنود التي تحدثت عن أطراف كانت ضالعة في أعمال إرهابية في الدول العربية ، مؤكدا أن تونس صادقت على البيان لإرضاء الأشقاء العرب وعدم إزعاجهم.
وهذه المرة كما في المرات السابقة، يتخذ الفاعلون الرسميون في البلاد خيارات سياسية تعكس انخراط تونس في «سياسة المحاور» وتحديدا في الصراع السعودي – الإيراني بالوقوف من منطق «ارضاء المملكة» في صفها ضد ايران.
هذا التخندق تنفيه رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، وتشدّدان على انهما يتبعان سياسة «عدم الانحياز» ويرفضان ان تتورط تونس في صراع «المحاور»، لكن اثار الدبلوماسية التونسية تؤكّد العكس، فمنذ تشكيل حكومة الحبيب الصيد قبل اكثر من سنة ووصول الباجي قائد السبسي لقصر قرطاج، تعثرت الدبلوماسية التونسية كثيرا ووقعت في شراك «المحاور».
هذا التخندق ميز دبلوماسية تونس ما بعد الثورة، باختيار الرئيس السابق المنصف المرزوقي وحكومة الترويكا، ان تصطف خلف المحور القطري–التركي وان تزكي كل خيارات هذا المحور وتدافع عنها على غرار ما حدث في الملف السوري والمصري.
اما اليوم فان من انتقد تخندق احزاب الترويكا خلف المحور القطري-التركي، وجد نفسه في ظلّ احتدام الصراع في الشرق الاوسط بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، قد اصطف خلف المحور السعودي-السعودي.
هذا الاصطفاف في السياسة الخارجية التي منح الدستور صلاحيات ادارتها لرئيس الجمهورية بتوجيه سياسة تونس الخارجية ورسم علاقاتها الدولية، مع إعطاء وزير الخارجية صلاحيات، وهو في تونس يشغل خطة مستشار رئيس الجمهورية للسياسة الخارجية، بما يعني ان الفاعل والمحدد الاساسي للسياسة الخارجية هو الباجي قائد السبسي.
سياسة الاصطفاف التي عبر عنها صراحة يوم الاربعاء الماضي بقرار وصف حزب الله بالارهابي سبق وعبر عنها بالغاء الاتفاق بين وزارة السياحة التونسية لعقود جلب 10 الاف سائح ايراني، وقبلها الموقف التونسي من الحرب في اليمن، ومشاركة تونس في مناورات عسكرية خارجية بالمملكة العربية السعودية، لاول مرة في تاريخ الجيش التونسي.
هذه السياسة التي تقوم على مبدأ «الاخذ بالخاطر» والترضية اجبرت رئيس الجمهورية على إرسال «مبعوثين خاصين» من قبله لتوضيح الموقف ورفع الالتباس ونفي ان تكون تونس قد اصطفت خلف احد المحاور. وان تونس ستظل وفية لنهجها الدبلوماسي الذي استمر طوال عقود في «عدم الانحياز» بما في ذلك في مرحلة «الحرب الباردة»، اضافة الى ثوابت سياسية خارجية تقوم على عدم الخلط بين المصالح والشعارات.
هذه الثوابت التي جعلت تونس بعيدة عن تأثير « سياسة المحاور» الى حدود 2011، حيث ارتهنت جزئيا سياستنا الخارجية للمحاور الاقليمية في الشرق الاوسط خصوصا، من منطلق ظنه القائمون على الدبلوماسية التونسية «نفعي» ويخدم مصلحة تونس، فاليوم كما كان منذ 3 سنوات، يراهن الحكام على المال الخليجي لإنقاذ الوضع ألاقتصادي والسلطات اليوم تراهن على الدعم السعودي لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي.
فالوفد الذي رافق رئيس الجمهورية في زيارته للسعودية ديسمبر 2015، ضمّ وزير المالية ووزير الدفاع، وانتهى بان وقّعت تونس على قرض جمليّ بقيمة 659 مليون دينار، وبذلك ترتفع قيمة قروض تونس من المملكة الى مليار دينار تقريبا.
يضاف اليها منح السعودية لتونس هبة من 48 طائرة مقاتلة من طراز أف 5 في سياق جهود المملكة لاستمالة تونس للانضمام لتحالف عسكريّ سنّي، وهو ما استجابت له تونس التي اعلنت انضمامها لهذا الحلف بقيادة المملكة مع التشديد على عدم انخراطها في ايّ عمل عسكري مباشر خارج الحدود التونسية.
اليوم وبعد ان وصف حزب الله بالارهابي من قبل وزراء الداخلية العرب، بدفع من المملكة العربية السعودية التي سعت الى هذا منذ فترة، ونجحت اليوم في فرضه وتوريط تونس فيه مقابل وعود بدعم الاقتصاد التونسي الذي بات اليوم محدّدا للخيارات الدبلوماسية، وكما يقول المثل الانجليزي «من يدفع المال يسمع اللحن الذي يريد».