بحث فيها عن الربط بين تجربته وتجربة بناء حركته السياسية بكل من الزعيم الحبيب بورقيبة والحركة الوطنية الإصلاحية، ومن اجل هذا حملت كلمة الشاهد عدة هوامش ونقاط فرعية.
في حدود الرابعة والنصف تقدم رئيس الحكومة يوسف الشاهد الى المنصة الرئيسية بالقاعة الرياضية متعددة الاختصاصات برادس، لترافق خطواته نحو المكان المخصص لإلقاء كلمته هتافات من ظل حاضرا في القاعة ليستمع اليه، وهم بالمئات بالكاد ملأوا أرضية القاعة فيما خلت المدارج تقريبا.
خطاب استهله الشاهد، الذي يصفه قادة تحيا تونس بأنه زعيمهم، بتوجيه شكره للحاضرين لقبولهم طلبه تأجيل فعاليات اختتام المؤتمر يوم الأحد الفارط، تأجيل اعتبره الشاهد حركة نبيلة وتثبت ان العمل السياسي هو بالأساس الإحساس بالناس، وهذا تجسد بإحساس المؤتمرين بفاجعة حادث السبالة بولاية سيدي بوزيد، التي ترحم الشاهد مجددا على ضحاياها.
من الترحم انتقل الشاهد مباشرة الى صلب الموضوع، وهو تحيا تونس التي شدد على انه كان من المتابعين لتاسيسها، منذ بدايتها كفكرة الى ان باتت واقعا ولد «كبيرا»، هذه الحركة خصص الشاهد خطابه ليرسم لها خطها السياسي وثوابتها التي ستقوم عليها، اذ وفق رأيه لا يمكن للفراغ ان يشكل مشروعا سياسي.
ولأن الحركة لم تأت من فراغ ولا تذهب الى الفراغ حدد الشاهد أساسها، وهي بسيطة بساطة سؤال «ما الذي جمع أبناء الحركة وما الذي سيجمعهم؟ وهنا كشف الشاهد عن إجابته وهي «الوطنية» وحب تونس. ليشرح لاحقا ما يعنيه بالوطنية التي وصفها بنهج اختاره زعماء معركة الاستقلال والاصلاح.
شرح اعتمد على الاستشهاد بالماضي ومآثره وذكر بان بناة الحزب الدستوري كانوا وطنيين وان حزبهم كان اداة سياسية لتحرير البلاد هو ما تم لينتقل الوطنيون الى معركة بناء دولة ما بعد الاستقلال، انطلاقا من وطنية عرفها الشاهد على انها «الايمان والفكرة والبرنامج والرؤية» وهي ايضا ان «تونس قبل الاحزاب والافراد والمصالح».
وطنية قال ان جيل بناء دولة الاستقلال تشبع بمبادئها ونفذها في سعيه لبناء دولة عصرية تركت مكاسب عديدة مكنت التونسيين بعد الثورة من ضمان عدم العودة الى الخلف، دون ان يحدد ما هو الخلف الذي يعنيه، عودة النظام القديم او البحث عن العودة لصدر الإسلام.
يمر الشاهد ليشرح اكثر نهج حركة تحيا تونس وهو الدفاع عن حقوق المرأة باعتبار الامر جزءا أساسيا من المشروع الوطني، وهو سيدافع عنه قناعة وليس من اجل كسب اصوات الناخبين، هنا يكشف الشاهد انه وحركته السياسية هم استمرار لنهج الزعيم الحبيب بورقيبة.
بل ان جذورهم تمتد إلى الحركة الوطنية الإصلاحية، خاصة في الستين سنة الاخيرة التي قال ان البعض يريد ان يقع شطبها وان تصبح كانها لم تكن، وهذا غير سليم فالدول لا تبنى بفسخ تاريخها انما بقراءته، والقراءة تكشف وفق الشاهد ان دولة الاستقلال والمشروع الوطني بلغوا اقصى افقهم في ظل غياب الديمقراطية.
ليعلن ان الثورة أتت لتستكمل المشروع الوطني، وليس انقلابا عليه او قطعا معه، فالثورة اتت لتضيف للمشروع الوطني ما كان يفتقده وهي الديمقراطية، ديمقراطية قال ان من الدستوريين من طالب بها في الـ70 من القرن الماضي ومنهم رئيس الجمهورية الحالي الذي حياه ونوه به وعدد مناقبه، قبل ان يعود للحديث عن الثورة والمشروع الاصلاحي.
هذا المشروع هو مشروع وطني فتحت الديمقراطية له افقا جديدا ولكن هذا غير كاف فالمشروع بحاجة الى احياء قيمة العمل وثقافته باعتبار العمل هو ما يبني الامم ويوفر الرخاء للشعوب.
رخاء قال ان التونسيين انتظروه ولكن الطبقة السياسية في السنوات التي تلت الثورة لم تعمل من اجل تحقيقه، ولاحقا أتى من يريد ان ينفر التونسيين من الديمقراطية باعتبار انها لم تحمل لهم مقومات عيش كريم. بل حملت الفوضى والتطاحن والازمات ليتشكل لدى التونسيين تصور خاطئ للديمقراطية.
تصور حرص الشاهد على ان يصوبه، فالديمقراطية بالنسبة له تتضمن أيضا النظام الذي بغيابه تفقد الديمقراطية معانيها وشروطها، ليعدد هنا ما تعرضت له حكومته من هجوم خصومها وكيف بحثوا عن جعل حرصه على تطبيق القانون استبدادا وكيف عطلت الإصلاحات ورفضت الحرب على الفساد ونقاط أخرى هي من انجازات الحكومة في السنتين والنصف الفارطة قابلها هجوم من قبل اشخاص يبحثون عن مصالحهم ومصالح احزابهم على حساب مصالح تونس.
حكومة يشدد الشاهد انها وحركة تحيا تونس امتداد للحركة الإصلاحية الوطنية، جاعلا القسم الثاني من كلمته للحديث عن ان حكومته لها هذه الصفة.فحكومته قادت إصلاحات وستستمر بها دون ان تعير اهتماما لـ«الخطوط الحمراء والصفراء»، في تلميح الى الخطوط التي رسمها اتحاد الشغل بشان عدد من مشاريع القوانين او الإصلاحات.
الشاهد وهو يعدد خصال حكومته ومشاريعها لم يغب عنه ان يبين انه اختار الطريق الصعب وان لا يكون «شعبويا» ليكسب أصوات الناخبين، بل اختار ان يكون طريقه ونهجه القطيعة مع الفوضى والتسيب والشعبوية، قال ان القطيعة معها هو حبل النجاة للبلاد.
نجاة تتضمن ان يصارح التونسيين بحقيقة وضعهم وضرورة الإصلاحات التي انطلقت حكومته فيها رغم غياب الدعم السياسي والتعطيل والابتزاز الذي قال انه تعرض اليه عندما رفض بعض المطالب التي قدمت اليه. رفض قال انه جاء لانه يرفض ان يكون رئيس حكومة على المقاس ينفذ رغبات داعميه السياسيين وليس العمل على مصلحة البلاد.
نهج قال انه كلفه الدعم السياسي وهذا ادى الى تعثر بعض الإصلاحات وتأخير تطبيق اخرى، لكن هذا تغير منذ تاسيس كتلة الائتلاف الوطني، حيث قال الشاهد وهو يشكر الكتلة ورئيسها مصطفى بن احمد انه منذ تشكلهم تحسن الدعم السياسي للحكومة، وتحسن ايضا مع تأسيس حركة تحيا تونس.
فمعهما لم يعد الشاهد بمفرده يخوض معارك الإصلاح بل بات مدعوما بهما، ليشير الى انه وعلى عكس ما يروجه البعض لم تكن حركة تحيا تونس هي التي استفادت من الحكومة بل الحكومة هي التي استفادت من الحركة ودعمها السياسي.
حركة قال ان البعض يسعى لبث الخوف في التونسيين منها بتعلة انها ستستغل اجهزة الدولة وتوظفها لتحقيق مكاسب سياسية، وهذه ادعاءات باطلة فالشاهد وقادة حركة تونس «ديمقراطيين» يؤمنون بالتنافس النزيه والمنافسة السياسية الشريفة.
لهذا فقد أصدر الشاهد تعليماته بان لا يقع توظيف مؤسسات الدولة وأجهزتها لصالح اي حزب، بل انه شدد على ان حركة تحيا تونس لم تتقدم يوما بطلب خاص للحكومة مناف للقانون، لتعامل بشكل خاص، قبل ان يطالب قادة الحزب ان يرسخوا الديمقراطية الداخلية وان لا يتقلد اي شخص مسؤولية في الحركة ما لم يكن نظيف اليد.
حركة دعاها الشاهد للاستمرار في بنائها الديمقراطي وان تنتقل من مرحلة تاسيس الحزب الى مرحلة توحيد العائلة الوطنية، هذه العائلة التي قال الشاهد انه ابنها وانها تؤمن بالمشروع الوطني لدولة الاستقلال، عائلة قال انها تضم الدستوريين والاجتماعيين والليبراليين. حركة قال الشاهد أنها مطالبة بتقديم حلول للتونسيين وتحسين حياتهم وان لا تكون مجرد رقم، وانه يعتبرها مشروعا للتونسيين وهو مؤمن بها وبقدرتها.
حركة لم يحدد الشاهد علاقته بها بشكل صريح بل اقتصر على التلميح في اخر كلمته حينما تحدث عن إنهاء خطابه بعبارة «تحيا تونس» ان هذه العبارة هي مشروعه، تلميح اعتمده الرجل ايضا في تحديد علاقته بالنهضة ليبين انه منافس لها وله مشروع مختلف عنها كليا.
كلمة الشاهد التي دامت اقل من ساعة لم تكن الا تكرارا لقديم قيل، مع اقحام عنصر جديد يتمثل في اضفاء صفة البورقيبية على الرجل وحركته.