وسوف نرى كيف أثّر هذا الارتفاع النسبي على معنويات التونسيين ويظهر ذلك جليا في تقييمهم للوضع العام وكذلك في منسوب ثقتهم في الطبقة السياسية بصفة عامة...
سوسيولوجيا التشاؤم في تونس
الملفت للنظر في هذا الشهر هو الارتفاع اللافت لنسبة التشاؤم عند قواعد الحزبين الأساسيين في الحكم ففي شهر مارس كانت نسبة التشاؤم عند ناخبي هذين الحزبين متقاربة وهي دون المعدل العام بحوالي عشر نقاط.. في شهر أفريل ارتفعت نسبة التشاؤم بحوالي عشر نقاط عند ناخبي النهضة وبأكثر من خمس نقاط عند ناخبي نداء تونس.. وهذا يدل على أن نسبة القلق قد عمّت كل الأوساط وكل الفئات...
عندما نحاول تحليل ظاهرة التشاؤم هذه بربطها بالمتغيّر الجهوي أو الجنسي أو الاجتماعي أو العمري نلحظ أن المتغيّر العمُري هو الأكثر تباينا.. فالفئة العمرية الأكثر تشاؤما هي فئة الشباب ما بين 26 و30 سنة إذ تصل نسبة الذين يرون أن البلاد تسير في الطريق الخطأ إلى أعلى مستوى: 74,2 % والذين يلونهم في التشاؤم هم الشباب ما بين 18 و25 سنة بنسبة تتجاوز الثلثين (68,5 %) أما الفئة العمرية الأقل تشاؤما فهم الكهول في مرحلة نشاطهم القصوى إذ تبلغ هذه النسبة أدناها عند الفئة 41-50 سنة (55,2 %) وتليها فئة 36 - 40 سنة بـــ 56,2 %.. وكما تلاحظون فالفارق هنا يقارب العشرين نقطة وهذا يدل على أن أزمة بلادنا بالأساس هي أزمة توازن الأمل بين الأجيال أكثر منها توازن الأمل بين الجهات والدليل على ذلك أن الفارق بحسب المتغيّر الجهوي هو دون التسع نقاط...
والطريف أن الجهتين الأكثر تشاؤما هنا هما الوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) بـــ 68,9 % وولايات الجنوب الغربي (توزر وقفصة وقبلي) بـــ 68,5 % بينما نجد جهتين دون المعدل الوطني للتشاؤم رغم كونهما من الجهات المحرومة للبلاد وهما ولايات الشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) بـــ 62,8 % وولايات الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) بـــ 62,4 % مما يدل على أن العنصر الجهوي يكاد لا يؤثر بصفة هامة على منسوب التشاؤم عند التونسيين.
متغيّر الجنس مؤثر ولكن بصفة نسبية إذ نجد الرجال أكثر تشاؤما من النساء بحوالي ست نقاط (66,9 % مقابل 60,8 %) وفي المقابل نجد أن المتغيّر الاجتماعي مؤثر بصفة واضحة في نسبة التشاؤم العامة إذ تبلغ هذه النسبة أقصاها عند الطبقات الشعبية (69,6 %) وتكون في أدناها عند الطبقة المرفهة (56,4 %).
وهنا بالإمكان أن نرسم نموذج التونسي المتشائم فهو ذكر ما بين 26 و30 سنة من الطبقات الشعبية وهو يقطن في الساحل أو في ولايات الجنوب الغربي.
بينما يكون التونسي المتفائل امرأة من الطبقة المرفهة سنها ما بين 41 و50 سنة وهي من سكان ولايات الشمال الشرقي (بنزرت وزغوان والحمامات) أو صفاقس..
تراجع لجل الشخصيات السياسية واستقرار للباجي قائد السبسي
لقد انعكست حالة التشاؤم هذه في تقييم التونسيين للطبقة السياسية...
نلاحظ بداية تواصل الرضا الإجمالي على أداء رأسي السلطة التنفيذية رغم التراجع الطفيف لصاحب القصبة (حوالي 3 نقاط) مقابل استقرار نسبة الراضين على رئيس الجمهورية في حدود 65,5 % من العينة..
عندما ندقق في مؤشر الثقة لدى السياسيين نرى أن ترتيب الخماسي الأول بقي على حاله فنجد دوما وزير التربية ناجي جلول في المرتبة الأولى يليه نائب رئيس مجلس نواب الشعب عبد الفتاح مورور فرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ثم رئيس الحكومة الحبيب الصيد فرئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة ولكن كل هؤلاء قد خسروا ما بين نقطتين (مورو) إلى أربع نقاط (جلول) وحده رئيس الجمهورية ربح نقطة واحدة خلال هذا الشهر...
في الخماسي الثاني نلحظ صعودا لافتا لمحمد عبو وسامية عبو اللذين ربحا 3 و4 نقاط وتمكنا بذلك من حيازة المركز السادس، سمير ديلو ربح بدوره نقطتين وصعد إلى المركز الثامن وكذا الأمر بالنسبة للمنصف المرزوقي والذي عاد من جديد للعشاري الأول من موقع المرتبة العاشرة.. وحده سعيد العايدي خسر نقطة وتدحرج من المركز السادس إلى التاسع.. ولا نعتقد أن هنالك علاقة بين هذا وبين الأزمة الأخيرة التي ضربت قطاع الصحة بل يعود هذا التدحرج إلى ظاهرة أعمّ شملت جلّ المسؤولين في الدولة اليوم باستثناء الباجي قائد السبسي كما أسلفنا. أحمد نجيب الشابي استفاد بدوره من هذا التدحرج العام وربح ثلاث نقاط وخمسة مقاعد كاملة منتقلا من المركز 17 إلى المركز 12.
في زمرة الخاسرين نجد كذلك راشد الغنوشي (3-) وحمّة الهمامي (3-) وكمال مرجان (4-) وسمير الطيب (3-) ومحسن مرزوق (2-) بينما سجل سليم الرياحي قفزة مهمة بتسعة مقاعد (من 29 إلى 20) ورابحا كذلك أربع نقاط...
وما نلاحظه هنا هو اقتصارنا هذا الشهر على 25 شخصية مقابل 30 في الشهر الماضي وقد اختفى من هذه القائمة كل من السيدة بشرى بلحاج حميدة والسادة الطيب البكوش والمنجي الرحوي وزياد العذاري ولزهر العكرمي.
جلول ومورو في الطليعة
مقابل تراجعه الطفيف في النقاط يبقى ناجي جلول الشخصية الأولى عند الندائيين وبفارق شاسع للغاية عن صاحب المرتبة الثانية محمد الناصر (57 % مقابل 29 %) ثم نجد بعد ذلك سعيد العايدي (29 %) ثم محسن مرزوق (15 %) وحافظ قائد السبسي (9 %) وهنا نود التنويه إلى كوننا مازلنا نحتسب محسن مرزوق على القاعدة الانتخابية الندائية باعتبار أننا لسنا في سبر آراء لنوايا التصويت بل في منسوب ثقة الشخصيات السياسية.. وعند جزء من القواعد الندائية محسن مرزوق هو، بهذا الاعتبار، شخصية ندائية رغم تأسيسه لحزب جديد...
أما عند القواعد النهضوية فعبد الفتاح مورو دوما في الطليعة والخماسي الأول لم يتغير منذ سنة تقريبا إذ نجد فيه دوما مع مورو كلا من سمير ديلو وحمادي الجبالي وعلي العريض وراشد الغنوشي... وما قلناه بالنسبة لمحسن مرزوق مع النداء يصح بدرجة ما لحمادي الجبالي مع النهضة...
أما بالنسبة لمؤشر الثقة الكبيرة فقد بقي ناجي جلول محافظا على المركز الأول وبنفس النقاط أيضا (44 %).. وما يلاحظ في هذا الترتيب هو مغادرة سعيد العايدي الخماسي الأول رغم تحسن عدد نقاطه لفائدة محمد عبو الذي ربح خمس نقاط كاملة والبقية بقوا محافظين على نفس المراتب: فبعد جلول نجد مورو ثم جمعة فالصيد وأخيرا محمد عبو ونفس الترتيب بقي تقريبا فيما يخص الخماسيين الندائي والنهضوي مع تقدم بزهاء الثلاثين نقطة لجلول على العايدي بالنسبة لناخبي نداء تونس. وبصعود هام لسمير ديلو عند النهضويين إثر ربحه لاثنتي عشرة نقطة مفتكا بذلك المرتبة الثانية على بعد نقطتين فقط من عبد الفتاح مورو..
إنه الهدوء الذي يسبق العواصف السياسية القادمة.
• يتبع في عدد قادم
• نظرة التونسي وتقييمه للأوضاع
ثقة التونسي في المؤسسات
والهياكل السياسية والإدارية
الجذاذة التقنية للدراسة
العينة: عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي، مكونة من 1089 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas)حسب الفئة العمرية، الولاية، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات: بالهاتف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing, Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى 3,0 : %
تاريخ الدراسة: من 26 أفريل 2016 إلى 28 أفريل 2016
تونس – استطلاع للرأي أفريل 2016