واحدث خلاف بينهما هو المتعلق بإقرار ميزانية صندوق الكرامة ضمن مشروع قانون مالية 2019، خلاف أقحمت فيه كتلة الائتلاف الوطني بهدف إحراجها أمام جزء من ناخبيها المفترضين، الذين يعارضون صرف تعويضات.
قاطع ممثلو حركة نداء تونس بلجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب، خلال الساعات الـ48 الفارطة أشغال اللجنة ونقاشاتها السابقة لإصدار تقريرها بشأن مشروع قانون مالية 2019. مقاطعة بررها رئيس الكتلة سفيان طوبال بأنها احتجاج على امتناع رئيس لجنة المالية منجي الرحوي، عن الجبهة الشعبية، عن طرح مقترح النداء على التصويت.
هذا المقترح الذي من اجله قاطع ممثلو النداء الخمسة، حسام بونني ومحمد فاضل عمران وانس الحطاب وطارق الفتيتي والمنجي الحرباوي، نقاشات اللجنة، يتمثل في حجب صندوق التعويضات وقتيا وتحويل الاعتمادات المخصصة له وهي 10 مليون دينار لفائدة العائلات المعوزة.
طوبال الذي دافع عن مقترح كتلته وموقفها، اعتبر ان امتناع رئيس لجنة المالية نتج عن ضغوطات كتلتي الائتلاف الوطني وحركة النهضة، واختياره تسبيق كتلة الائتلاف الوطني التي وسمها بأنها كتلة الشاهد مرده ان الأخيرة كانت تدعم المقترح قبل ان تتراجع وتعارضه. وهي الرواية المعتمدة من النداء لإحراج خصمها.
المقاطعة التي استمرت أمس ليومها الثاني، قابلها تقليل حركة النهضة لأثرها، فالحركة التي اتفق ممثلوها السبعة على اعتبار مقترح حذف صندوق الكرامة مزايدة سياسية هدفها ارباك المشهد فقط.
تصنيف النهضة لتحركات حليفها السابق نداء تونس في خانة الارباك السياسي ليس مجانبا للصواب، فالنداء وممثلوه في المجلس يدركون ان مسار احداث صندوق الكرامة انطلق منذ 2013 ونص على ان الحكومة تخصص مبلغ 10 مليون دينار كاعتمادات له مباشرة اثر صدور الامر الحكومي المنظم له، والذي صدر في مارس الفارط بالرائد الرسمي.
هذا الامر الحكومي ضبط طرق تنظيم «صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد» عبر فصوله 11 التي تنظم عمل وتسيير وتمويل الصندوق المحدث بمقتضى الفصل 93 من القانون عدد 54 لسنة 2013 المؤرخ في 30 ديسمبر 2013 المتعلق بقانون المالية لسنة 2014.
ومن بين النقاط التي ضبطها الامر موارد الصندوق التي حددها في فصله الثاني وهي متأتية من نسبة من الأموال الراجعة لميزانية الدولة والمتأتية من تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة عن لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة بمقتضى الفصل 45 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المؤرخ في 24 ديسمبر 2013 المتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها وتضبط هذه النسبة بقرار من رئيس الحكومة، والهبات والتبرعات والعطايا غير المشروطة و كل المصادر الأخرى التي يمكن رصدها لفائدة الصندوق طبقا للتشاريع الجاري بها العمل.
الخلاف اليوم مرده تطبيق الفصل الثالث من الامر الحكومي الذي يقضي برصد اعتمادات من ميزانية الدولة عند فتح الصندوق في حدود 10 مليون دينار. وهو ما تم في قانون مالية 2019، وقابله رفض من نداء تونس استند الى مزاج عام شعبي يرى في ملف التعويضات امرا تجاوز حده وبات يمثل عبءا على الميزانية.
امتعاض وتململ من تمويل الصندوق اقتنصته حركة نداء تونس لتحشد ناخبي وانصار العائلات السياسية الوسطية خلفها، وهي خطوة اخرى في مسار الحشد الذي انطلق به نداء تونس مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي.
مسار يغفل عن ان بعض النقاط حسمت، ومنها ملف تعويض الضحايا الذين يقدر عدد المنتفعين المفترضين، باكثر من 10 الاف بعد استكمال عملية التدقيق في ملفاتهم وتمسكهم بالتعويض. وهؤلاء العشرة الاف ليسوا كلهم نهضاويين وان كان جلهم. من حقهم كما ينص قانون العدالة الانتقالية الحصول على تعويضات.
هذه التعويضات لا تتضمّن فقط التّعويض المادي بل كذلك التعويض المعنوي وردّ الاعتبار للضّحايا واسترداد حقوقهم، طبقا للفصل 11 من قانون العدالة الانتقالية، الذي نص في فصله 41 على احداث «صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد».
لكن كل هذا يسقط في اطار صراع التموقع الذي تخوضه حركة نداء تونس، على حساب غريمها يوسف الشاهد الذي تريد تقديمه هو وأنصاره كحلفاء للنهضة وتابعين لها، مع احياء الصدام مع النهضة وإبرازها كخطر لا يمكن ان يتصدى لها غيرهم.
الإطار القانوني لإحداث صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد
- الفصل 93 من قانون المالية لسنة 2014: أحدث حسابا خاصا يطلق عليه اسم «صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد» يتولى المساهمة في التعويض لضحايا الاستبداد في إطار العدالة الانتقالية.
- الفصل 41 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها: يحدث صندوق يطلق عليه صندوق «الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد» تضبط طرق تنظيمه وتسييره وتمويله بأمر.
- الفصل 11 من القانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها: جبر ضرر ضحايا الانتهاكات حق يكفله القانون والدولة مسؤولة على توفير أشكال الجبر الكافي والفعال بما يتناسب مع جسامة الانتهاك ووضعية كل ضحية. على أن يؤخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المتوفرة لدى الدولة عند التنفيذ.