تراجع طفيف في نسبة التشاؤم 82٫9 ٪ من التونسيين: البلاد تسير في الطريق الخطأ

قراءة وتحليل زياد كريشان
بعد ثلاثة أشهر من الارتفاع المتواصل انخفض في شهر أكتوبر منسوب التشاؤم نسبيا ليستقر

في حدود 82.9 % بعد ما كان يبلغ 87.0 % في شهر سبتمبر. ومع هذا التراجع الطفيف لمنسوب التشاؤم ارتفع نسبيا الرضا عن اداء رأسي السلطة التنفيذية فربح رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية حوالي خمس نقاط في شهر واحد ليكونا في مستوى %64.0 للأول و35.6 % للثاني. أما في ما يخص الثقة الكبيرة في الشخصيات السياسية فتبقى ، مرة أخرى ، النائبة سامية عبو متصدرة لهذا المؤشر ومتقدمة بتسع نقاط كاملة عن كوكبة الملاحقين .

أهم ما ميز الباروميتر السياسي لشهر أكتوبر 2018 الذي تعده مؤسسة سيغما كونساي بالتعاون مع جريدة المغرب هو التراجع النسبي في المستوى المرتفع للغاية من التشاؤم ليكون في حدود 82.9 % بعدما حقق في شهر سبتمبر رقمه القياسي منذ انجاز هذا الباروميتر في جانفي 2015 بـ87.0 % وهنا نلاحظ تطور هذا المؤشر منذ جانفي 2015.
نلاحظ أن سنة 2018 هي السنة التي حققت أعلى نسب التشاؤم إذ هي تجاوزت عتبة %80 في 4 مناسبات بينما لم تتجاوزها من جانفي 2015 إلى ديسمبر 2017 إلا في مناسبة واحدة وكان ذلك في ماي 2017 مباشرة قبل إعلان الحكومة الحملة على الفساد .

في سوسيولوجيا التشاؤم
هنالك ملاحظة على غاية كبرى من الأهمية : منذ بداية الباروميتر السياسي في جانفي 2015 كانت القاعدة النهضوية أكثر تشاؤما بوضوح من القاعدة الانتخابية الندائية وقد استمر هذا الوضع دون تغيير يذكر إلى نهاية سنة 2017 ولكن منذ انطلاق السنة الحالية انقلب الوضع وأصبحت القاعدة الانتخابية النهضوية اقل تشاؤما من نظيرتها الندائية إلى أن وصل الفارق إلى 12 نقطة كاملة في شهر أكتوبر 2018 : %72.6 للقاعدة النهضوية و%84.8 للقاعدة الندائية وهذا يبرهن على التأثير المباشر للعامل السياسي في معنويات المواطنين. فبعد خيبة انتخابات 2014 بالنسبة للنهضويين بدأ يعود الأمل من جديد إلى صفوفهم مع بداية هذه السنة . أمل تدعم بنتائج الانتخابات البلدية وباحتمال فوز في المواعيد الانتخابية القادمة في نهاية السنة المقبلة .

 

وهذا المعطى السياسي هام لنفهم به توزع التشاؤم جهويا إذ نجد أن التشاؤم قد بلغ مستويات عليا في المناطق ذات الحضور الندائي القوي في انتخابات 2014 كالوسط الشرقي (سوسة والمنستير والمهدية) بـ88.3 % والوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) بـ87.3 % والشمال الغربي (باجة وجندوبة والكاف وسليانة) بـ86.0 % بينما كان الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين ) هو الأقل تشاؤما بـ71.6 % والمعلوم أن هذه الولايات تمثل أهم المعاقل الانتخابية النهضوية .

مرة أخرى لا يكون العنصر الاجتماعي محددا فالفوارق هنا هي دون 4 % وبالتالي غير ذات معنى ولكن الفارق الجندري مهم هذه المرة إذ تتراجع نسبة التشاؤم عند الرجال إلى 78.5 % بينما ترتفع عند النساء إلى 87.2 % ويبدو لنا أن العامل السياسي مر من هنا كذلك ولو بصفة جزئية .
بالنسبة لعامل السن نجد عنصرا جديدا إلى حد ما وهو ارتفاع ملحوظ لنسب التشاؤم عند الشباب (من 18 إلى 30 سنة) وصغار الكهول (من 31 إلى 40 سنة) بصفة متقاربة للغاية فالفوارق هنا هي دون النقطتين ثم تنخفض هذه النسب قليلا عند الكهول : %82.1 لفئة 41- 50 سنة و84.4 % لفئة 51-59 سنة ثم نشاهد انخفاضا هاما لمن تجاوزوا الستين إذ ينزل التشاؤم إلى أدنى مستوياته بـ%68.8.

رأسا السلطة التنفيذية يربحان 5 نقاط
للشهر الثاني على التوالي يرتفع مجمل الرضا (أي الرضا التام مع الرضا النسبي) عن أداء رئيس الحكومة ليصل إلى %64 بعدما كان في حدود %59 في سبتمبر الماضي و%56.5 في أوت .
أما رئيس الدولة فقد وضع حدا لسلسلة من التراجعات فبعدما بلغ في جوان الماضي %51.8 ( وهي نسبة لم يحققها منذ جويلية 2017) نجده ينزل إلى %30.4 في سبتمبر الماضي وهي أسوأ نسبة له على الإطلاق ثم ها هو يبلغ %35.6 في أكتوبر ولكن رغم هذا التحسن الطفيف يبقى رئيس الجمهورية في أدنى مستوى رضا منذ بداية عهدته الانتخابية ولكن لو دققنا النظر في هيكلة نسب الرضا سنجد أن عدم الرضا أعمق بكثير إذ لا يحرز رئيس الدولة من الرضا التام إلا %9.1 بينما يتجاوز عدم الرضا تماما عنه نصف العينة (%51.5) ووضع رئيس الحكومة ليس أفضل بكثير إذ يفوق عدم الرضا التام عن أدائه نسبة الراضين تماما (%22.9 مقابل %18.7)

الثقة الكبرى ومستقبل الشخصيات السياسية : سامية عبو والبقية
لا يناقش احد في أن شخصية النائبة سامية عبو وأحد أهم وجوه التيار الديمقراطي هي شخصية مثيرة للجدل كما يقال ولكنها رغم ذلك تحظى بنسبة ثقة كبيرة مهمة وذلك منذ فترة ليست بالقصيرة ولكن الجديد هذه الأشهر الأخيرة هو تصدر سامية عبو لمؤشر الثقة الكبيرة في الشخصيات العامة وبفارق هام عن ملاحقيها ..
فهي تحظى عند ثلث التونسيين (%33) بثقة كبيرة بينما يأتي رئيس الحكومة يوسف الشاهد في المرتبة الثانية متأخرا عنها بتسع نقاط كاملة بعد ما كان يتصدر هذا الترتيب منذ أشهر ولقد أصبح يوسف الشاهد ضمن كوكبة تضم ست شخصيات لا تفصل بينها سوى نقاط قليلة إذ نجد فيها الصافي سعيد بـ%24 وعبد الفتاح مورو والناجي جلول بـ%23 لكليهما ثم محمد عبو بـ%22 فالحبيب الصيد بـ%20 وهذه هي الشخصيات الوحيدة التي تتجاوز الثقة الكبيرة فيها عتبة %20 وبعد هذه الكوكبة أربع شخصيات تجاوزت عتبة %15 وهي المنصف المرزوقي ومحمد نجيب الشابي ومهدي جمعة بـ%17 لكل منهم ثم الباجي قائد السبسي بـ%16 والأكيداننا سنجد بين هذه الشخصيات الاحدى عشرة عددا هاما من المترشحين للانتخابات الرئاسية في السنة القادمة .

اللافت للنظر انه على 36 شخصية عامة معروفة عند التونسيين حوالي نصفها (17 شخصية) يحظون بثقة كبيرة عند أقل من %10 من التونسيين ونجد في مؤخرة هذا الترتيب ،مرة أخرى ، حافظ قائد السبسي بـ%3 فقط وهي أسوأ نتيجة له منذ دخوله الباروميتر السياسي ويسبقه في الترتيب برهان بسيس بـ%4 ثم نجد ثالوثا يتكون من كل من سمير الطيب وعماد الحمامي والمهدي بن غربية بـ%5 من الثقة الكبيرة .

وهذه النسب الضعيفة للغاية تبين مدى ارتياب التونسيين في طبقتهم السياسية وشخصياتهم العامة وأن على هؤلاء القيام بعمل كبير لا فقط على مستوى الصورة ولكن بالأساس الأداء ومصداقيته ونزاهته حتى تتجسر الثقة بين المواطنين ونخبتهم السياسية .

بين الشاهد وعبو وجلول
عندما ننظر إلى مؤشر المستقبل السياسي للشخصيات العامة كما يرغب في ذلك المستجوبون نجد تغييرات طفيفة ولكن تبقى سامية عبو في الطليعة بـ%35 وتتقدم بخمس نقاط فقط على الشاهد (%30) الذي يتقدم بدوره على الصافي سعيد (%28) فمحمد عبو (%26) وعبد الفتاح مورو (%25) ثم الناجي جلول بـ%22
ولكن عندما نجمع مجمل الثقة ( أي الثقة الكبيرة مع الثقة النسبية ) نجد ان يوسف الشاهد هو المستفيد الأبرز اذ يعود للطليعة بـ %64 ويتقدم على سامية عبو بنقطتين ونفس الأمر نلاحظه في مؤشر المستقبل السياسي ( أي الرغبة الكبيرة في لعب شخصية ما دورا سياسيا بارزا في المستقبل ونضيف إليها الرغبة النسبية ) إذ يتقدم الشاهد كذلك على سامية عبو بنقطتين (%67 للشاهد و%65 لسامية عبو ) وهذا يعني امرين اثنين :

أولا : يوسف الشاهد لديه مجال للتمدد أهم من منافسيه ولكنه مجال هش إلى حد كبير وقد يكون مرتبطا فقط بالوظيفة الحالية لصاحب القصبة .

ثانيا : تأخر سامية عبو عن الشاهد في مجمل الثقة او المستقبل السياسي بحكم كونها شخصية أكثر سجالية من رئيس الحكومة ولكن رغم ذلك فقد ربحت سامية عبو نقاطا كثيرة إذ أصبحت تناهز الثلثين في الآراء الإيجابية وهذا يعني أن مقبوليتها في ازدياد مطرد و حتى اؤلئك الذين لم يكونوا مرتاحين لشخصيتها ولتدخلاتها أصبحوا يرون فيها عنصر توازن أساسي في الساحة السياسية .

نعود إلى يوسف الشاهد لنقول بأن تقدمه على المستوى الوطني لم يعد متناسبا مع وظيفته لدى القاعدة الانتخابية الندائية ففي مؤشر الثقة الكبيرة يتفوق عليه الناجي جلول لدى القاعدة الانتخابية بوضوح (%36 مقابل %28) ونجد أن شخصية كسعيد العايدي ورغم مغادرته للنداء منذ أكثر من سنتين إلا انه مازال يحظى بثقة كبيرة هامة (%21) ونجده في المرتبة الثالثة بينما لا يحظى حافظ قائد السبسي حتى عند قاعدته الانتخابية سوى بثقة %7 فقط

نفس هذه الوضعية نجدها في مؤشر المستقبل السياسي ولكن الفارق يتقلص بين صاحب المرتبة الأولى ناجي جلول (%37) ويوسف الشاهد صاحب المرتبة الثانية بـ%35 ويبقى سعيد العايدي في المرتبة الثالثة بـ(%21) بينما تتراجع نسبة حافظ قائد السبسي الى %4 في هذا المؤشر. المهم في هذه النقطة تحديدا هو بروز اسم ناجي جلول كمنافس جدي لصاحب القصبة على الاقل على مستوى القاعدة الانتخابية الندائية، فهل سيكون لهذه الوضعية استتباعات سياسية على مستوى نداء تونس ؟
سؤال سيتولى الندائيون الإجابة عنه في الأشهر القادمة ..

هذه صورة أولوية عن توجهات الرأي العام قبل حوالي سنة من المواعيد الانتخابية الوطنية.

الجذاذة التقنية للدراسة
العينة : عينة ممثلة للسكان في الوسط الحضري والريفي مكونة من 772 تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وأكثر.
تم تصميم العينة وفق طريقة الحصص (Quotas) حسب الفئة العمرية ، الولاية ، الوسط الحضري أو الريفي.
طريقة جمع البيانات : بالهاتــــــف
CATI (Computer Assisted Telephone Interviewing ,Call-Center)
نسبة الخطأ القصوى %3.5
تاريخ الدراسة : 24 أكتوبر 2018 إلى 28 أكتوبر 2018

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115