يدخل مسار تنزيل قانون «من أين لك هذا» مرحلة جديدة ومعه تونس برمتها، ان لم يقع التحايل على القانون او تعليق تطبيق فصوله.
حمل العدد الجديد من الرائد الرسمي للجمهورية التونسية معه قانون التصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب في جلسته المنعقـدة بتاريخ 17 جويلية الماضي. ووقع عليه رئيس الجمهورية في غرة اوت الجاري.
هذه القانون بفصوله الـ51 حدد في خمسة منها قائمة المشمولين بالتصريح على المكاسب والدخل، وصنفهم لـ 37 فريقا، بات لزاما عليهم التصريح بمكاسبهم ومصالحهم في أجل أقصاه 60 يوما من تاريخ الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات أو التعيين أو تسلمهم مهامهم حسب الحال.
هؤلاء من بينهم رئيس الجمهورية والعاملون في ديوانه، رئيس الحكومة وأعضاؤها ورؤساء دواوينهم ومستشاريهم، ورئيس مجلس نواب الشعب وأعضاؤه ورئيس ديوانه ومستشاريه، ورؤساء الهيئات الدستورية المستقلة وأعضائها. وكل من يشغل منصب سياسيا سواء كان منتخبا او معينا.
هذا القانون سيشرع في تطبيقه خلال الأيام القادمة الى حين تنزيل كل فصوله على ارض الواقع، سينطلق باصدار أمر حكومي يحدد «أنموذج التصريح والحد الأدنى للمكاسب والقروض والهدايا الواجب التصريح بها»، حيث سيكون للمعنيين بالقانون شهران لملئ النماذج وتسوية وضعياتهم من تاريخ نشر الامر.
التفاصيل عديدة في هذا القانون الباحث عن مكافحة الفساد والاثراء غير المشروع، بكل أشكالهما داخل القطاع العام وكذلك لدى كل المنتخبين في البلاد بدءا برئيس الجمهورية وصولا إلى كل مستشار بلدي ومرورا بنواب الشعب. بعد ان تم تحديد المفاهيم الأساسية لمقاومة الفساد.
هذا دون إغفال تحديد دقيق لمفهوم هام، وهو الإثراء غير المشروع بكونه وتضارب المصالح وهذان كافيان لحد ما في الحد من الفساد في في المرفق والعام وفي كواليس اتخاذ القرارات ، وهذا سيشرع في تطبيقه خلال الايام القادمة ليكون جل السياسين المنتخبين او المعينين وكبار موظفي الدولة ملزمين بالتصريح بمكاسبهم ومكاسب ذويهم من ازواج او ابناء أي كانت هذه المكاسب وأينما كانت.
كما سيشمل هذا التصريح تحديدا لأنشطة المصرحين واقرانهم، وانتمائهم السابق في أي هيكل كان، جمعية حزب منظمة، وهذا سيشمل عشرات الآلاف من السياسيين المنتخبين وكبار موظفي الدولة والعاملين في القطاعات شديدة الحساسية كالقضاء والامن والاعلام والأجهزة الرقابية. كما ضبط القانون كل الإمكانيات المتاحة للتثبت في صحة التصاريح مع تضمنه لترسانة من العقوبات لردع المخالفين.
هذا الحجم من المعطيات سيكون تحت تصرف جهة وحيدة مخول لها تجميع ومراجعة وتدقيق ومراقبة التصاريح والجهة هي هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، الهيئة الدستورية التي يبدو ان انتظارها سيستمر الى اشهر.
القانون وما حمله من خطوات جريئة للحد من الفساد عبر تسليط الضوء على اوسع مساحة ممكنة من «اروقة اتخاذ القرار» لن يكون كافيا في ظل هيئة دستورية لا تزال في علم الغيب، حتى وان كان القانون يكلف الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالحلول محلها الى حين انتخاب الهيئة الدستورية.
الخطر هنا ليس في غياب النص القانوني، فاي نص قانوني ومهما كانت ثوريته ورومنسية أهدافه ومقاصده، ليس الا اداة بيد جهاز يطبقه، لذا فان المسار المعلن لمكافحة الفساد مهدد من قبل «المؤسسة المنتخبة» والاحزاب، التي قد تفرغ الهيئة من محتواها وجعلها مناسبة جديدة للمحاصصة الحزبية.
محاصصة لم تجن منها البلاد وهي في مسار انتقال ديمقراطي غير العثرات والخيبات، وهذه المرة العثرة ستكون اشد.