هل فتحت مساحة محايدة لأغلب المترشحين/ات من مختلف الأحزاب للتعبير عن برامجهم؟ هل استطاعت أن تساهم في تغيير الوعي أم أنّها دفعت إلى تأجيج مناخ الاستقطاب الحدّي ورسّخت التمثلات الاجتماعية؟
زاوية النظر التي سنركز عليها في هذه المساحة المحددة تقتصر على رصد كيفية تناول بعض وسائل الإعلام ،وخاصة منها ما ينضوي تحت الإعلام الجديد للانتخابات وكيفت سعت إلى بناء صورة المترشحات لاسيما بعد أن لاحظنا أنّهن كنّ في صدارة التغطية الإعلامية. وقد نفسّر هذا الاهتمام بالمترشحات أكثر من المترشحين أولا: بحداثة تجربة ولوج النساء الفعل السياسي من خلال قانون التناصف، وثانيا ببروز مجموعة ممن كنّ في عداد «السافرات، الحداثيات، الليبراليات...» على رأس قائمات حزب بمرجعية إسلامية ، وهو أمر ملفت للنظر، أي مثير إعلاميا، ويمكن استغلاله لصناعة الحدث المميّز.
فبعد التجربة الأولى في المجلس التأسيسي ها أنّ الاستثناء يتحوّل إلى ممارسة استنساخية جرّت فئة من الشابات والنساء المتعلمات إلى الانضواء تحت قائمة حزب قويّ. وبطبيعة الحال لم تخرج التغطية الإعلامية عن التوصيف والتركيز على «العجيب والغريب» وبدل أن تساهم الوسيلة الإعلامية في تحليل هذا الاختيار والبحث عن أسباب هذا التوجه بما من شأنه أن يخلق موضوعا للحوار الجادّ ألفنا عددا من الصحفيين منساقين نحو تجذير الثنائيات المتضادة «هنّ/ الأخريات»، والتوصيف الشكلي الذي يختزل المترشحات في «مجموعة» من النساء والحال أنّ الاختيار فعل فردي ينبع من فكرة المواطنية الفاعلة ولا نحسب أنّ دوافع كل النساء تتماثل. ثمّ إنّ هذه التغطية تلحّ على اختزال النساء في هيأة أجسادهن فوجدنا جمعا لصور مختلفة للمترشحات تؤكد عدم التزامهن بما ينظر إليه على أساس أنّه محدد ديني/أخلاقوي كقصر التنورة ... وجليّ هنا أنّنا إزاء النبش عن ملامح الحياة الخاصة للمترشحات وكأنّه لا مجال للاهتمام بعقولهن وطرق تفكيرهن في العمل البلدي وبذلك كان الإعلامي متورطا في التعدّي على حرمة الحياة الخاصة للأفراد التي نص الدستور على حمايتها من كلّ
اعتداء، بل ألفيناه مرسخا للتمثلات الاجتماعية ولا غرابة أن تنخرط الصحافيات والإعلاميات في هذا التوجه رغم كثرة الدورات التدريبية في مجال الإعلام والنوع الاجتماعي ذلك أنّ المسألة في نظرنا، ذات وشائج بالتنشئة الاجتماعية ، وطرق النظر إلى الذات، والثقافة.
تظل النساء في الغالب، بمثابة «لعبة» أو «دمية» في العمل السياسي. فمن خلال توظيف بعضهن في الحملات الانتخابية تصفّي بعض الأحزاب حساباتها الخاصة معتبرة أنّ المرأة رمز يمكن استثماره لإهانة الآخر. فها أنّ الحزب اللدود، «الظلامي والرجعي»... الذي قِيدت الحملات باسم حماية النساء منه ينجح في إغراء النساء وجرّهن إلى مساحته الخاصة التي طالما اعتبرت خطرا. وليست لعبة/حرب تبادل الرموز سوى علامة على الفرز بين النساء: الطاهرات/ الملوثات، الأصيــلات/الدخيلات، الوفيــات/الخائنــات، الحرائر/ العبدات...
يساهم الإعلام في رسم صور المترشحات وفي تحديد مواقعهن من خلال الانتقاء والتركيز على بعض الزوايا، وتكرار نفس العبارات والأوصاف وهو بذلك يبني الإطار الذي من خلاله يتم تقييم خطابات المترشحات وأفعالهن لا باعتبارهن فاعلات في بناء المسار الديمقراطي بل باعتبارهن «عناصر مشوشة» خالقة للإثارة إما لتورط بعضهن في «الفساد» أو التطرف أو لجهل بعضهن بأبجديات الثقافة السياسية.أو لسلوك بعضهن العدائي أو لانفعالات بعضهن وقصورهن عن تبليغ محتوى مقنع..
وددنا أن يرتقي أداء الإعلاميين وأن تعكس تغطيتهم للدعاية الانتخابية التغيير المنشود على مستوى البنية الذهنية... وددنا أن يتحول هؤلاء إلى حارسي القيم وفي مقدمتها المساواة الجندرية وأن يساهموا في إرباك التمثلات الاجتماعية بخلق وعي مجتمعي جديد يتم فيه التركيز على أداء المترشح بقطع النظر عن جنسه ولونه وعرقه ودينه وهيأته... ولكن الطريق لاتزال طويلة...