في الستينات في إشارة إلى أن الظروف الموضوعية قد نضجت وأصبحت مهيئة لعمل شيء عظيم ..
هذا الشعار يصح اليوم على تونس بصفة عامة وعلى المنظمة الشغيلة بصفة خاصة أي أن الظروف أضحت مناسبة - حتى وإن كان ذلك بالسلب – لانجاز أمر جلل وهو إعطاء نفس جديد لمنظومة الحكم خلال هذا الثلث الأخير من عهدتها الانتخابية ..
ولهذه الأسباب جاء بيان المكتب التنفيذي الموسع لاتحاد الشغل يوم أمس طافحا بالرسائل ومعبرا على تموقع المنظمة الشغيلة في أهم القضايا السياسية التي تشغل البلاد اليوم ..بيان يمكن أن نقول فيه بأن الاتحاد قد وضع نقاطه هو على بعض «الحروف» التي تشغل الرأي العام ..
• أولى هذه النقاط وضعها الاتحاد على الملف الأهم وهو تحميل حكومة الشاهد الوضعية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد فهو يستهجن من جهة «صمت الحكومة إزاء التهاب الأسعار» ومن جهة أخرى يدين «سياسة التفرد بالرأي والقرار التي تنتهجها الحكومة» ولهذا يذكر الاتحاد من جديد بـ«ضرورة ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة وبالخصوص في مستوى التشكيل الحكومي» قي ضغط مزدوج على بقية الممضين على وثيقة قرطاج وكذلك على رئيس الحكومة وتنبيه غير مباشر له بأنه لن يتمكن من تمرير أي شيء أو خاصة من الإصلاحات الكبرى التي يعد بها، لو لم يتفاوض بشأنها مع المنظمة الشغيلة ..
• النقطة الثانية وضعها البيان على أزمة التعليم الثانوي ومسالة حجب الأعداد والتي لم يتعرض إليها البيان صراحة ولكنه في نفس الوقت يبقي التأكيد على تأييده لمطالب الأساتذة كما عبرت عنها النقابة العامة للتعليم الثانوي ويدعو الحكومة لتفاوض دون شروط مسبقة أي دون البدء برفع حجب الأعداد ولكن الاتحاد لا يتحكم بوضوح في هذا الشكل النضالي المبتكر مع تأكيده مجددا وبمعية هياكله النقابية (أي النقابة العامة للتعليم الثانوي) على «ضمان نجاح السنة الدراسية» في رسالة مزدوجة لوزارة التربية ولمنظوريه كذلك لكن يقول بان مطالب الأساتذة شرعية ولكن المنظمة لن تقبل بسنة بيضاء أي لن تقبل بتواصل هذا الشكل «النضالي» بدرجة يصبح يهدد فيها بصفة جدية مآلات هذه السنة الدراسية ..
• النقطة الثالثة كانت على حرف بعيد شيئا ما عن مناطق النزاع الساخنة التي يكون فيها الاتحاد طرفا مباشرا
لقد اختار الاتحاد أن يبين موقفه من أزمة هيئة الحقيقة والكرامة وكل الجدال والانقسام بشأنها..
فالأزمة بالنسبة لاتحاد الشغل لا تعود إلى الأسابيع أو الأشهر الماضية بل هي «متقادمة ارتبطت بالتجاذبات السياسية التي حكمت تشكيلتها منذ البداية»..
ويذكر الاتحاد بمواقفه منذ البداية وهو يرى أن المحافظة على مسار العدالة الانتقالية يقتضي النأي «بالهيئة عن التوظيف» وإعادة تشكيلها على قاعدة الاستقلالية والقدرة على التجميع والتوحيد..
فالاتحاد إذن لا يساند سهام بن سدرين ولا من يعتبرونها هي العدالة الانتقالية والاهم من هذا كله انه لا يرى مانعا من إعادة تشكيل هيئة الحقيقة والكرامة دون أن يوضح هل يعني بذلك ترميم الهيئة أو الاستعاضة عنها بهيئة جديدة ..
هذا الموقف سيضعف كثيرا من حجة سهام بن سدرين وأنصارها ومريديها وسيضرب الحجة الكبرى للمدافعين عنها والذين يعتبرون أن إبعاد سهام بن سدرين إنما هو ضرب للمنظومة بكاملها وتشريع غير مباشر للإفلات من العقاب ..
موقف الاتحاد يسفه هذا الرأي ويبين أن الخلاف ليس فقط بين أنصار وخصوم العدالة الانتقالية ولكن حول شخصية بن سدرين وقدرتها على التجميع وعلى إنجاح مسار العدالة الانتقالية.
• النقطة الرابعة تتعلق بتجديد دعوة الاتحاد «الأجراء وكافة أفراد الشعب التونسي إلى المشاركة المكثفة في الانتخابات البلدية دون ان ينسى الاتحاد التركيز على «حسن الاختيار» وعلى ضرورة حياد «الإعلام والإدارة والمساجد والمرافق العمومية»..
يريد الاتحاد أن يقول أن حرصه على تغيير كلي أو جزئي للحكومة لا يعني البتة تهوينه من أهمية الانتخابات البلدية أو التشويش عليها ..
ولكن لا يعلم ما المقصود بالضبط بـ»حسن الاختيار» وهل يقصد الاتحاد من وراء ذلك أحزابا بعينها يريد أن يحذر منها أم انه ينظر إلى كل القاعات المترشحة حالة بحالة ..
هنالك نقاط جزئية أخرى على أهميتها وردت في هذا البيان كتثمين انطلاق المفاوضات في القطاع الخاص (تلاحظون اللغة الوردية عندما يتعلق اليوم بالشريك الحليف اتحاد الأعراف) في المقابل يدعو بيان الاتحاد الحكومة إلى الالتزام بموعد فتح المفاوضات الاجتماعية في افريل .. الود في القطاع الخاص والحزم في القطاع العام ..
فالاتحاد يخوض اليوم معركة هامة بالنسبة له معركة لها عناوين اجتماعية واقتصادية كبرى كالمفاوضات في الأجور والمؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية ولكنه يدخلها وفق نظرة عامة وافق سياسي واضح مؤدّاه: ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة ..معارك متزامنة .. ولكن يبدو ان الاتحاد قد استعد لها ..