المرجح أن يفقدوا قرابة 20 % من مقدرتهم الشرائية خلال الـ 3 سنوات القادمة، نتيجة إصلاح منظومة التقاعد والدعم. رغم ما تعلنه الحكومة من نوايا طبية في هذين الملفين.
تقر الحكومة دون مواربة بان منظومة الدعم تمثل عبئا على الميزانية العامة، وتستدل بتضاعف قيمة الدعم بقرابة المرتين والنصف عما كانت عليه سنة 2010، فقد ارتفعت قيمة الدعم من 730 مليون دينار إلى 1605 مليون دينار، أتضح وفق دراسة قام بها خبراء الحكومة أن 88 % من قيمته يستفيد بها شرائح أخرى غير أصحاب الدخل الضعيف والفئات الهشة.
كما أن الخلل في منظومة الدعم الذي تشير إليه الحكومة بأنه يقارب الـ9/10 حجم الدعم، يتوزع بين ثلاث مجموعات، الاولى هي الطبقة الوسطى التي استفادة من 60.5 % من ميزانية الدعم، والثانية «استغلال غير عائلي» تصنف الحكومة كـfuites hors ménage وينتفع بقرابة ربع ميزانية الدعم، اما المجموعة الثالثة فهي الطبقة الميسورة التي تستفيد من 7.5 من ميزانية الدعم قد تتأثر من تداعيات خطة الحكومة الإصلاحية بخصوص صندوق الدعم.
هذه الدراسة التي اعدتها الحكومة لتحديد اوجه الاستفادة من الدعم ستكون حجتها القوية في تمرير خطتها الإصلاحية، التي تقوم على مقولة «توجيه الدعم لمستحقيه» وتخصيص تدخلات الصندوق للاستهلاك الغذائي أساسا، لكن هذه المقولة تخفى في ثناياها تداعيات هامة على الطبقة الوسطى، التي يبدو انها ستكون اكبر متضرر من الإجراءات الحكومية الإصلاحية. فهي ستفقد ما بين 5 و10 نقاط من مقدرتها الشرائية، باحتساب رفع الدعم مع جملة الإجراءات الأخرى كالرفع في الأداء على القيمة المضافة وفي الرفع في مساهمة الأجراء في صناديق الضمان الاجتماعي. لكن من سيتضرر اكثر هم المتقاعدون الذين سيتضررون بفقدان قرابة 20 نقطة من مقدرتهم الشرائية، فمع العناصر السابقة تنضاف مراجعة جراية التقاعد.
الضرر سيطال هذه الطبقة بشكل جلي رغم النوايا الطيبة والضمانات التي تقدمها الحكومة بهدف عدم تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، ضرر سيكون في اعتماد اي التصورين الأولين لإصلاح المنظومة، أي ان وقع اعتماد تصور تقسيم خارطة الدعم إلى 5 مناطق، كما هو الحال بالنسبة للمنظومة الجبائية التي ستعوض النظام التقديري، فانه من المنتظر ان يوجه الدعم وفق المنطقة، مثل تقريبي لذلك، قد يرفع الدعم عن المناطق المصنفة في «الصنف أ» منها مثلا منطقة البحيرة التي ستباع فيها المواد المدعمة بأسعارها الأصلية، ولكنه سيظل في المناطق المصنفة في «الصنف هـ» ومثال عنها حي التضامن التي ستباع فيها المواد بأسعار مدعمة كليا، أما في بقية المناطق الثلاث «ب،ج،د» فيبدو انه تقع مراجعة قيمة الدعم وقائمة المنتوجات المدعمة.
هذه المقاربة تواجه عدة معضلات كبرى، ليس اقلها كيف يقع تحديد المناطق، مقابل ذلك يواجه التصور الثاني القائم على توجيه الدعم مباشرة لمستحقيه عبر اعتماد الية المعرف الوحيد الذي بدوره سيمكن من تصنيف المستفيدين بالدعم، من استفادة كلية إلى استفادة جزئية، مثال عن ذلك، صاحب دخل محدود او عائلة معوزة سيتمكنون باعتماد بطاقة المعرف الوحيد من شراء المواد الأساسية بأسعار مدعمة فيما سيختلف الامر بالنسبة لبقية التصنيفات الاخرى، من استفادة جزئية الى انتفاء الاستفادة كليا.
هذه الكلمات المبهمة يمكن شرحها بمثل بسيط، وهو رب اسرة معوز بمقدوره باعتماد البطاقة ان يشتري الخبز بـ 230 مليم من المخابز مقابل رجل الاعمال او موظف سامي يشتري الخبز بـ 330 مليم، كما ان المخابز ستختلف تسعيراتها، فمخبزة في منطقة البحيرة لن يكون بمقدورها بيع الخبز المدعم بينما مخبزة في حي شعبي كـ«الكبارية» سيكون فيها الخبز مدعما.
هذا التعقيد يتضاعف بسبب عدم جاهزية الحكومة لتنفيذ هذا التصور الإصلاحي للدعم، الذي يتطلب استعدادا لوجيستيا وتحيين المعطيات عن مؤشرات التنمية والفقر في الجهات، وغيره من التفاصيل الفنية أساسا، هذه الأسباب تجعل الحكومة تخطط لاعتماد هذه الإصلاحات في السنتين القادمتين، 2019و2020 في حين ستعتمد في السنة المالية الحالية 2018 على مقاربة بسيطة، وهي الضغط على تكلفة الدعم بوضع حدا لتسرب المواد المدعمة الى النشاط الاقتصادي والتجاري، اي حصر استغلال المواد المدعمة في الاستغلال العائلي.
لتحقيق هذا تتجه الحكومة لجملة من الإجراءات الرقابية على المطاعم والمقاهي والمنشآت التجارية لمنع استغلال مواد مدعمة، كالسكر «صبّه», قوارير الغاز السائل والزيوت وباقة من المنتوجات المدعمة، بل وتذهب الحكومة إلى التفريق بين الاستعمال العائلي والاستعمال التجاري في ملف «قوارير الغاز السائل» عبر التميز بين المنتوج الموجه للبيوت والمنتوج الموجه لبقية المستفيدين، من مطاعم ومقاهي ونزل وغيرها من منشأت خدماتية.
مقاربة تراهن الحكومة على انها ستقلص من ميزانية الدعم بأكثر من 300 مليون دينار في سنة 2018، الى اكثر من الثلث في سنة 2020. ورغم مشروعية خطاب الحكومة وتصورها القائم على سد الثغرات في مسار توجيه الدعم الا ان تصورها يحمل في طياته مظلمة لفئات عدة لا يمكنها ان تتحمل بمفردها خطة الإصلاح الحكومية. فالحكومة ترغب في ان تحقق في سنتين اهدافها الطموحة جدا ان تعلق الأمر بتقليص العجز العام وعجز الصناديق الاجتماعية وتقليص نسبة المديونية الخارجية لكن من سيتضرر من هذا الطموح هي الطبقة الوسطى.