تصريحات رئيس الدولة دائما مهمة ، و لكن من المفيد ايضا ان نضعها في السياق وان نربطها بغيرها .فالسيد رئيس الجمهورية هو المسؤول الاول في الدولة ، وهو فاعل سياسي باعتباره المؤسس للحزب الذي اعتبرته الانتخابات الاخيرة اولا ، وهو قبل ذلك مواطن. لو كنا في إوضاع ما قبل الثورة لطغت الصفة الاولى على الصفتين الأوليين ، ولكان لهذا القول أثاره المباشرة .
اما في الوضع الديموقراطي فان تصريحات سيادة الرئيس التي صدرت في الجرائد الصباحية تبعها بعدها بساعات قليلة موافقته على تركيبة الحكومة التي قدمها له السيد يوسف الشاهد و التي تستصحب نفس وزن وتأثير حركة النهضة فيها .
يمكن ان تكون لرئيس الدولة ملاحظاته حول حركة النهضة في مسعاها لتطوير ذاتها ، والحركة ترحب بكل الملاحظات والنصائح ،ويسعدها ان تتفاعل مع محيطها، وتأخذ ما تراه مناسبا ،مع اعتبارها ان الإطار العام الذي يضبط العملية السياسية برمتها هو دستور البلاد وقوانينها ،و ما يجب ان يبحث الجميع عن رضاه هي القاعدة الانتخابية والتنافس في خدمة التونسيين .
كما ان حركة النهضة يمكنها هي نفسها ان تبدي ملاحظات ،في اطار الصداقة ،للمنتظم السياسي الشريك في علاقة بموضوعات الحداثة والديموقراطية وغيرها،وهذا يساهم في تطوير الحياة السياسية .
الجميع ايضا يستحضر الانتخابات القادمة ، وما قد يسبقها من سياسات لاعادة التموقع وربما رغبة في اعادة التموقع، وذلك حق مكفول للجميع، ومفهوم للجميع. من هذه الزاوية لا ارى في حوار السيد الرئيس انقلابا على التوافق .فالتوافق الية ، وهي مقولة شديدة الثراء ، يمكن ان تتسع لصيغ متعددة ، من الصيغة الثنائية ، الى صيغ سياسية متنوعة ، الى صيغ سياسية واجتماعية ، وهو ما نحن فيه .
اتابع بانتباه ما يكتب السيد الرئيس، من كتابه حول بورقيبة في صيغته الفرنسية الأصلية قبل الثورة ، الى حواره المطول مع الصحفية الفرنسية Arlette Chabot بعنوان Tunisie :Démocratie en terre d’islam الصادر منذ اكثر من سنة ، و لا اخفي اني استمتعت بهذه القراءة ،لوضوح الأفكار وأناقة اللغة، دون ان يعني ذلك اتفاقا على القناعات ، التي تحتاج الى نقاش عميق ، يتأخر، وقد لا يتحمله الفضاء السياسي . لم أر اختلافا كبيرا بين أفكار الكتاب، وأفكار الحوار .
مجمل القول الحوار يفسر ايضا بالمصادقة على الحكومة حيث النهضة شريك مهم . ما هو المستقبل .التوافق لا يلغي التنافس، والسعي لتغيير موازين القوى. و لا ندري قد يمكر بنا التاريخ مجددا في المحطات القادمة فيفرض علينا الالتقاء، رغم اننا لا نلتقي في كل شيء، ولكن نلتقي بالتاكيد فيما ضبطه الدستور .
الطريف في الامر ان هذا الحوار خضع لقراءات ايديولوجية كثيرة .البعض لا يزال يحن الى الحروب والاستئصال . لم يهضم التوافق الذي حصل ، لم يكتشف بعد تعدد الألوان ، وجمال قوس قزح.العالم عنده ثنائي الألوان، ابيض واسود ، هم ونحن .
هؤلاء نسوا ان التوافق لفظ جمع و ليس لفظ مفرد، وهؤلاء نسوا ان البديل عن التوافق في الوضع الديموقراطي هو توافق آخر، وان البديل عن كل التوافقات بعد استنفاد كل صيغها هو التنافس وليس الحرب، لان خيارات الحرب والمواجهة لا تطرح في الاوضاع الديموقراطية ، ولان حرب طروادة لن تقع كما كتبت هنا منذ ثلاثة اسابيع، ولان قرطاج لن تحترق كما تفاعل الصديق العميد محمد الفاضل محفوظ هذا الأسبوع .
اما التطورات في العالم والإقليم ، فقد اكتسبنا كتونسيين منذ امد الحكمة على امتصاصها مع تجنيب بلادنا ان تكون ساحة لحروب بالوكالة