قراءة وتحليل زياد كريشان
7 أشهر وعشرة أيام تفصلنا عن الانتخابات البلدية القادمة (17 ديسمبر 2017) وبعد تذبذب الأسابيع الأخيرة بدأت الأحزاب تدريجيا تستعد لهذا الموعد الهامّ ..
أهم نتائج سبر الآراء لنوايا التصويت لهذا الشهر تبرز تزايد العزوف عن صندوق الاقتراع وتراجعا نسبيا لنداء تونس مع محافظته على المرتبة الأولى تقريبا بالتساوي مع حركة النهضة وصعودا قويا للتيار الديمقراطي الذي أصبح ينافس الجبهة الشعبية بصفة جدية على المرتبة الثالثة
رغم الإعلان النهائي عن موعد الانتخابات البلدية القادمة (17 ديسمبر 2017) إلاّ أننا لا نلمس بعد حركية حزبية أو سياسية خاصة بهذا الموعد الهام وهذا ما يفسر تزايد العزوف عن التصويت مقارنة بالشهر الفارط (المغرب 9 أفريل 2017) بثلاث نقاط.
ثلث التونسيين (%33.3) يقولون بأنهم لن يصوتوا وثلث آخر (%32.1) يقولون بأنهم لا يعرفون لمن سيصوتون و%0.8 يرفضون الإجابة ..
مجموع هؤلاء يمثل حوالي ثلثي التونسيين (%66.2) أي أن ثلث الناخبين المفترضين فقط (%33.8) يعلنون عن نية واضحة للتصويت
سوسيولوجيا العازفين عن التصويت
على المستوى الجهوي نجد أن النسبة الأكبر للعازفين عن التصويت هي في تونس الكبرى (ولايات تونس وبن عروس واريانة ومنوبة ) وتليها في ذلك جهة الوسط الغربي (القيروان وسيدي بوزيد والقصرين) وكذلك ولاية صفاقس ..
كما أن نسبة العزوف عن التصويت مرتفعة بوضوح عند النساء وفي الطبقة الشعبية ..
والفئة الأكثر عزوفا عن التصويت بإطلاق هي الأميون الذين يمثلون حوالي خمس المواطنين في سنّ التصويت (%19.3 ) ولكنهم لا يمثلون إلا %2.6 فقط من المواطنين الذين يعبرون عن نيتهم في الذهاب إلى مراكز الاقتراع في الانتخابات البلدية ..
الشباب (دون 29 سنة ) والشيوخ (فوق الستين ) هم أكثر عزوفا عن التصويت من الكهول ..
تغير طفيف في المشهد السياسي
عندما ننظر إلى موازين القوى الحزبية كما تتجلى من خلال نوايا التصويت نلاحظ تواصل هيمنة النداء والنهضة على المشهد العام بـ %63.8 لكليهما ولكن الجديد هو التراجع الهام للنداء خلال شهر واحد إذ خسر حوالي 4 نقاط وأكثر من مائتي ألف ناخب وأصبح في نفس الخط تقريبا مع حركة النهضة(%32.1.للنداء و%31.7 للنهضة )..
ولكن يظل هذان الحزبان المتحكمين الأساسيين في المشهد الحزبي في غياب قوة ثالثة قادرة على منافستهما بصفة جدية..
فالجبهة الشعبية التي تتبوأ المقعد الثالث في كل عمليات سبر الآراء منذ نهاية 2012 ( مع الملاحظة أنها حصلت على المركز الرابع في الانتخابات التشريعية متأخرة قليلا عن الاتحاد الوطني الحر ) ولكنها لم تتمكن إلى اليوم من تحقيق النقلة النوعية التي يحلم بها قادتها والتي تجعلها في مرحلة أولى قادرة على منافسة هذين القطبين وفي مرحلة ثانية على مشارف الحكم..بـ%7.2 من نوايا التصويت تظل الجبهة الشعبية بعيدة جدّا عن حلم مؤسسيها ومناضليها ..
ولكن حتى المرتبة الثالثة غير مضمونة اليوم والمنافسة لا تأتي هذه المرة من الاتحاد الوطني الحر بل من التيار الديمقراطي الذي ضاعف نوايا التصويت لفائدته في شهر واحد من %3.3 إلى %7 ..وإذا استمرت دينامكيته هذه فهو سيتجاوز ولاشك الجبهة الشعبية التي لم تتمكن إلى حد الآن من الاستفادة من أزمات النداء خاصة والتحالف الحكومي عامة ..
حزب آفاق تراجع قليلا وخسر في شهر واحد حوالي النقطتين ليكون في المرتبة الخامسة في مستوى %3.4 من نوايا التصويت
طموحات كبيرة ..ونتائج صغيرة
كل الأحزاب الأخرى هي تحت عتبة %3 والحال أن فيها حركات تمني النفس بالفوز في الاستحقاقات الانتخابية القادمة أو على الأقل لعب الأدوار الأولى في الحياة السياسية في البلاد.. ونقصد هنا بالتحديد حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي حراك تونس الإرادة الذي لم يحصل إلا على %2.7 مثله مثل حركة مشروع تونس لمحسن مرزوق بينما يظل الحزب الذي أسسه المهدي جمعة البديل التونسي في ذيل القائمة بـ %0.4 فقط من نوايا التصويت .. وهذه النتائج لو أيدتها صناديق الاقتراع لمثلت إخفاقا كبيرا لأصحابها الذين قدّموا أحزابهم كبدائل حكم حقيقية وفعلية .. وبالتأكيد فإن هذه الأحزاب الثلاثة تحديدا سوف تعيش امتحانها الأكبر بعد أكثر من سبعة أشهر.. فهي ليست مطالبة بالفوز ولكنها مطالبة بأن تثبت بأنها تمثل قوة ذات وزن انتخابي لايستهان بها وفي صورة الفشل في تحقيق هذا الهدف المرحلي بصفة جلية فقد تكون ضربة يصعب الوقوف مجددا بعدها..
في سوسيولوجيا الأحزاب السياسية
من الناحية الجندرية (أي الجنس) ناخبو النداء والنهضة يكادون يتماهون مع عموم الناخبين .. فعدد الذين يعلنون عن نوايا تصويتهم يمثل الرجال فيهم %59.3 على المستوى الوطني .. نفس هذه النسبة نجدها عند النداء والنهضة .
أما عند الجبهة والتيار الديمقراطي فهنالك على ما يبدو غلبة للعنصر الرجالي في قاعدتهم الانتخابية ..
عند النداء هنالك حضور قوي للطبقة الشعبية وضمور نسبي للطبقة المرفهة وللطبقة الوسطى العليا (إطارات – مهن حرة ..)
النهضة اقل حضورا في الطبقة الشعبية وهي تعوض هذا النقص بحضور أهمّ في الطبقة الوسطى العليا ..
الجبهة الشعبية تحقق أهمّ نتائجها في الطبقة الوسطى العليا مع حضور محترم في الطبقة الشعبية
أما ناخبو التيار الديمقراطي فهم بوضوح الطبقة الوسطى العليا فهي تمثل عند هذا الحزب أكثر من نصف نوايا تصويته الإجمالية .
جهويا تمثل تونس الكبرى نقطة القوة عند التيار الديمقراطي وبدرجة اقل عند النداء..
الشمال الغربي ميله ندائي وجبهوي وفيه يسجل التيار الديمقراطي أسوأ نتائجه ..
نفس الشيء تقريبا بالنسبة للوسط الشرقي.
صفاقس حاضرة بقوة في نوايا التصويت للتيار الديمقراطي بينما يميل الوسط الغربي نسبيا إلى النداء..
تظل ولايات الجنوب المعقل الأساسي لحركة النهضة وخاصة الجنوب الشرقي (قابس ومدنين وتطاوين) وهذه الولايات هي نقطة الضعف الأساسي للندائيين..
في المقابل يبدو أن الجبهة الشعبية تحقق بعض النتائج في الجنوب الغربي (قفصة وتوزر وقبلي ) مقابل وجود ملحوظ للتيار الديمقراطي في الجنوب الشرقي ..
التأكد من الاختيار : مرتفع عند النهضة والتيار ودون ذلك عند النداء
عندما نسأل المستجوب الذي يعبر عن نية تصويته عن مدى تأكده من عدم احتمال تبديل رأيه نجد أن المعدل الأرفع هو عند ناخبي النهضة والتيار الديمقراطي بمعدل 8.4 (1= التأكد الأضعف ، 10= التأكد النهائي والتام ..) ينزل هذا المعدل إلى 8 عند الجبهة الشعبية و 7.7 عند النداء وهذا قد يفيد بان القاعدة الانتخابية للنهضة اصلب من نظيرتها عند النداء وان الديناميكية الايجابية للتيار قد تتدعم في الأشهر القادمة..
كثيرا ما لاحظنا الثقة الكبيرة في بعض قياديي التيار الديمقراطي وبالأساس سامية عبو ومحمد عبو .. ولفترة طويلة لم تتحول هذه الثقة إلى نوايا تصويت للحزب الذي يمثلانه .. ويبدو أننا بصدد تحويل الثقة في الأشخاص إلى نوايا تصويت لهذا الحزب والسؤال هو إلى أي حدّ ستتواصل هذه الديناميكية وهل سيصبح التيار الديمقراطي قوة هامة وأساسية في المشهد السياسي أم لا ..
الأكيد أن الانتخابات البلدية القادمة رغم صبغتها المحلية ستجيبنا عن عدة تساؤلات سياسية وسوف تعطينا مشهدا حزبيا مغايرا إلى حدّ ما خاصة وأننا بعد هذه الانتخابات سنكون في طريقنا للموعد الانتخابي الأهم : التشريعية والرئاسية المبرمجتين ، مبدئيا ، في نهايات 2019..