لم تعد حركة النهضة بعيدا عن التجاذبات الداخلية التي تعيشها الأحزاب، فهي قد طالتها لعنة الأرض الرملية التي يقف عليها الجميع وان كانت حدّة ذلك اقل، فالتباين بين وجهات النظر يطل براسه في التحركات الميدانية وفي نقاشات مجلس شورى الحركة الذي ظل وعاء الخلافات بين قادتها، «المغرب» التقى عبد الحميد الجلاصي القيادي بحركة النهضة وعضو مجلس الشورى وابرز قادتها المختلفين عن خط رئيسها راشد الغنوشي في حوار لكشف ما يحدث في الحركة ومستقبلها ان استمرت الخلافات.
• قدمت حكومة الشاهد مشروع قانون المالية منذ حوالي ثلاثة أسابيع ولكن حركتكم لم يصدر عنها الا موقف رفض رفع السر البنكي، هل هذه كل مؤاخذتكم على القانون؟
ان موقفنا ينطلق من ان حكومة يوسف الشاهد هي حكومة الفرصة الأخيرة، يجب أن نتذكر جميعا ان المطالب التنموية و مطالب التشغيل هي مطالب اساسية ، ان شعبنا عاش اوضاعا صعبة في السنوات الفارطة ،وان هذه الحكومة ليس لها العديد من الخيارات . ان بلدنا أمام إصلاحات موجعة ولابد من انجازها، والجميع ينادي بالإصلاحات والعناوين واضحة وهو ما جعل الوصول إلى اتفاق قرطاج غير صعب.و لكن لا احد ينجز. هذه الميزانية تواجه في تقديري إشكالا بيداغوجيا اساسا. فالحكومة التي واجهت ضغط الزمن، كان عليها ان تجري مشاورات ذات طابع شامل منذ البداية ،وليس الاكتفاء بإجراء مشاورات قطاعية او جزئية. فبمجرد وضع الخطوط العامة للميزانية توالت الاحتجاجات والاعتراضات، وكثيرون يتخوفون من سقوطها. لأنه لم يقع إتباع منهج بيداغوجي وهو التشاور مع المتدخلين في الميزانية بالقدر الكافي.
ان الإشكال في البلاد وفق تقديري هو ان الاقتصادي محاصر بين هشاشة السياسي من جهة ،وضغط الاجتماعي من جهة أخرى، وطالما لم يقع تسريح المسارين السياسي والاجتماعي فان عجلة الاقتصادي لن تتوفر لها المناخات المطلوبة للسير. فالوضع السياسي يعاني من الهشاشة وغياب الرافعة السياسية مما أدى إلى التباس الوضع العام وعدم الاستقرار وهذا وضع يجب ان نواجهه لنتجاوزه .و مما يفاقم من اثار هذه الهشاشة هو ان جميع الأنظار بطريقة مباشرة وغير مباشرة مسلطة على الاستحقاقات الانتخابية القادمة، المحلية والجهوية بل والانتخابات التشريعية والرئاسية، و من وجهة نظري يجب ان يكون هناك نوع من الاستقرار في الساحة السياسية لإدارة هذه الاستحقاقات، وهذا يعني التوصل الى مجموعة من التوافقات بين الأطراف الأساسية الفاعلة، فهذه الاستحقاقات يجب ان تدار في نوع من المعادلة التي تربط بين الحق في التنافسية كما في الاوضاع الديموقراطية مع نوع من اللجم الذي يزيل المخاوف .لان المخاوف قد تؤدي بِنَا الى تأجيل الانتخابات الى اجل غير مسمى . وهذا يعني النظر الى الملف السياسي كحزمة تشمل القانون الانتخابي وصيغ التنافس بما في ذلك البحث عن القائمات المشتركة او التفاهمات التي لا تحد من مخاطر التنافس المنفلت على المناخ العام و المهدد للبناء الوطني وخاصة في الجانب الاجتماعي والاقتصادي.
• نعود الى مشروع قانون المالية؟
هذه الميزانية تجد معارضة من اتحاد الشغل والاعراف والمحامين والاطباء والمهندسين وغيرهم من الاطراف. ومثلما هو مطلوب من الاطراف السياسية إبرام عقد سياسي في آطار الحزمة المقترحة لادارة المرحلة فان الاطراف الاجتماعية مطالبة بان تجلس الى طاولة الحوار لابرام عقد اجتماعي شامل . فكل طرف له مخاوفه.
• اي مخاوف سترفع وكل طرف يصعد حينما يمس قطاعه ويطالب بالتوجه للقطاعات الاخرى؟
الحكومة الان امام ثلاثة سيناريوهات، الاول هو المرور بالقوة عبر البحث عن اغلبية برلمانية، لكن هذا الخيار ستكون له استتباعات خطيرة جدا، فنحن في الخريف وعلى مشارف شهر جانفي شهر الاحتجاجات تاريخيا. اما السيناريو الثاني فهو خوض المفاوضات القطاعية مع كل طرف على حدة، وهذا قد يضاعف التنافسية القطاعية ويكرس العقلية الفئوية. اما السيناريوالثالث فهو طاولة تجمع بين كل المتداخلين.
• نعود إلى القول بان شهر جانفي شهر الاحتجاجات، هل تعتبر ان حكومة الشاهد لن تتمكن من تجاوزه ان قامت الاحتجاجات؟
لا ..يمكننا تدارك الخطإ البيدغوجي وفتح الحوار مع الجميع. فالتشريك يعني التحييد وتحميل المسؤولية، ان استكمال الاستحقاق الاقتصادي يستوجب طاولة حوار تجمع السياسي والاجتماعي لتوفير فرصة لتحقيق الاستحقاقات والإصلاحات، فالحكومة لو تأخرت عن الإصلاح والتنمية ومقاومة الفساد فلا خيار أمامها سوى الاستمرار في المعالجة بالأقراص المسكنة ،و هذا لم يعد ممكنا و لا محتملا.
• انتم شريك في الحكم بمقدوركم الدفع في هذا الاتجاه؟
نعم سندفع في هذا الاتجاه، اتجاه الشراكات في الساحة السياسية و الاجتماعية ،لفك الكماشة عن المسار الاقتصادي .شخصياحينما اتآمل الساحة السياسية في البلاد اقول ان مرحلة الخمس والعشر سنوات القادمة تستوجب كتلة تاريخية. تضم تقريبا حركة النهضة وما تمثله كحركة إسلامية محافظة ذات طابع اجتماعي ،وحركة نداء تونس مع ما تمثله من قوى حداثية ليبرالية.مع قوتين اجتماعيتين أساسيتين هما اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف .مع هذا الرباعي ،لا بد من التشريك الجدي للمنظمات الاجتماعية الأخرى كاتحاد الفلاحين والمحامين والأطباء، وتشريك قوى سياسية وشخصيات وطنية، كلها تصوغ عقدا لإدارة المرحلة. كل طرف فيها يطرح مخاوفه ويدافع عن منظوريه، فاتحاد الشغل من حقه طرح مخاوفه بشآن المساس بالشغالين وعن القدرة الشرائية، واتحاد الأعراف يطرح مخاوفه من إثقال كاهل المؤسسات الاقتصادية ، وسياسيا من حق نداء تونس التعبير عن الخوف من نتائج الانتخابات بسبب وضعيته المرتبكة وهو ما قد يدفعه هو ،وقوى اخرى ،الى تعطيل المسار الانتخابي .حركة النهضة بدورها تعبر عن مخاوف من الاقصاء.
طرح المخاوف يساهم في رفع سوء التفاهم التاريخي بين الاطراف ويساعد على الوصول إلى توافقات كبرى تجيب عن المخاوف. دون هذه التوافقات لا يمكن ان نخرج من الازمة بمسكنات ،و تتواصل التحركات و المناورات، وكاننا على رقعة شطرنج الكل متوجس من الكل ،والجميع يتحرك في دائرة التكتيك التي قد تقضي على الجميع .
• الكتلة التاريخية التي تبحث عنها تواجه أشكال ما يحدث في حركة نداء تونس التي يتزايد الحديث عن تعويضها؟
نداء تونس هو تعبير عن حاجة .اتحدث هنا عن قاعدة .....