والسياسة التوافقية ضبابية نوعا ما، الأمر الذي يعسّر المصادقة على مشاريع القوانين خلال الجلسات العامة. هذا وستكون الجلسة الانتخابية لاختيار رئيس هيئة الانتخابات وتجديد ثلث مجلسها أول امتحان بالنسبة للتحالف الجديد اي الكتل الممثلة في الحكومة.
مع تغير سياسة التوافق بين الكتل البرلمانية نتيجة التمثيلية الجديدة للكتل البرلمانية، على إثر التحولات التي شهدتها كتلة حركة نداء تونس من اندماج نواب الاتحاد الوطني الحر والخروج منها مؤخرا، إلى جانب إحداث كتلة جديدة ونعني بذلك الائتلاف الوطني.
هذه الكتلة غيرت المشهد البرلماني جذريا بعد تحالفها مع زملائها في الحكومة أي كتلتي حركة النهضة والحرة لمشروع تونس، قسمت البرلمان إلى نصفين، النصف الأول المساند للحكومة مساندة مطلقة، والصنف الثاني ما تبقى من بقية الكتل المعارضة للحكومة وسياسة التوافق الجديدة. قسمان اثنان يهيمنان على سير دواليب المجلس، مع تمثيلية متقاربة نوعا ما باحتساب عدد الغائبين دوما حيث يقدر عدد نواب الائتلاف الحاكم بين حركة النهضة والحرة لمشروع تونس والائتلاف الوطني بـ 128 نائبا، مقابل بقية الكتل الجبهة الشعبية والديمقراطية ونداء تونس والولاء للوطن وغير المنتمين بـ 89 نائبا.
التمثيلية الجديدة للكتل البرلمانية منذ 22 جانفي 2019 بعد استقالة كل من طارق الفتيتي وعلي بالاخوة ورضا الزغندي ودرة اليعقوبي من كتلة نداء تونس أصبحت كالتالي كتلة حركة النهضة في المرتبة الأولى بـ 68 نائبا، المرتبة الثانية لكتلة الائتلاف الوطني 44 نائبا، كتلة حركة نداء تونس المرتبة الثالثة بـ 41 نائبا، تليها كتلة الحرة لمشروع تونس 16، كتلة الجبهة الشعبية 15، الكتلة الديمقراطية 12، كتلة الولاء للوطن 10، غير المنتمين 11.
سقوط مشاريع قوانين وتأجيل آخرى
128 صوتا يبدو عددا ضامنا لمرور مشاريع القوانين العادية منها 73 صوتا والأساسية 109 أصوات، لكن في المقابل، فإن آفة الغيابات التي تؤرق رئاسة المجلس، تجعل من الشق الثاني ضرورة قصوى للاتفاق معه حتى لا تسقط مشاريع القوانين. ولعل الثلاثة الأشهر الأخيرة أكبر دليل على ذلك حيث سقطت بعض القوانين منها مشروع القانون المتعلق بنظام الجرايات المدنية والعسكرية للتقاعد والباقين على قيد الحياة في القطاع العمومي، إلى جانب تأجيل مشاريع أخرى نتيجة غياب النصاب القانوني في أكثر من مناسبة من بينها مشروع القانون الأساسي للميزانية، ثم تنقيحات مشروع قانون مكافحة الارهاب ومنع غسل الاموال الذي تمت المصادقة عليه بعد تأجيله في أكثر من مناسبة، وهي نفس المسألة بالنسبة لمشروع القانون المتعلق بتنقيح القانون عدد 103 لسنة 2002 المؤرخ في 23 ديسمبر 2002 المتعلق بإحداث نظام جبائي تفاضلي خاص بالسيارات السياحية التي لا تتجاوز قوّتها 4 خيول بخارية جبائية.
ظاهرة الغيابات
سقوط مشاريع القوانين إلى جانب صعوبة المصادقة على بعض الفصول وسقوطها في الجلسة في أكثر من مناسبة، مسألة دائما ما يتم تداركها في ما بعد من خلال تقدم جهة المبادرة بمقترح تعديل حكومي في آخر مناقشة مشروع القانون، وهو ما تمت ملاحظته خلال قرار انسحاب كتلة حركة نداء تونس من المشاركة في الجلسات العامة مؤخرا نتيجة اعتراضها على استكمال هيئة الحقيقة والكرامة لأعمالها. ظاهرة الغيابات لا تزال بارزة من جلسة إلى أخرى سواء على مستوى الجلسات العامة أو أشغال اللجان القارة والخاصة، بالرغم من اتخاذ رئاسة المجلس لعديد الاجراءات، حيث شدد رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر على ان الحضور واجب اخلاقي وادبي، خاصة وأن البرلمان يطبق النظام الداخلي بحزم في ما يتعلق بالغيابات من خلال نشر قائمات المتغيبين على الموقع الرسمي وصفحات التواصل الاجتماعي وفي الشاشات الداخلية في بهو المجلس واروقته المعروضة امام الصحافة والمجتمع المدني والزوار، إلى جانب الاقتطاع من المنحة البرلمانية لكل متغيب دون عذر بشكل دوري وآلي حسب ما ينص عليه النظام الداخلي. وبالنظر إلى سير الجلسات العامة الأخيرة فإن الحضور لا يتجاوز 120 نائبا، وفي أكثر من مناسبة تعقد الجلسة العامة بتأخير يناهز الساعتين لغياب النصاب القانوني خاصة خلال الجلسة الصباحية أو في الفترة ما بعد الظهيرة.
أول امتحان لسياسة التوافق
الفترة القادمة ستكون أول امتحان لسياسة التوافق الجديدة وتحديا للائتلاف الحاكم في مدى قدرته على فك معضلة الهيئات الدستورية، وتهيئة المناخ الانتخابي، بالنسبة للجلسة الانتخابية المخصصة لانتخاب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والتجديد الثلثي لمجلسها، الذي تم الاتفاق حوله صلب لجنة التوافقات بين مختلف الكتل البرلمانية، او على مستوى الالتزام بالحضور، خاصة أن التوافق على المترشحين يحتاج تقاربا بين مختلف الكتل والعمل على رفع الخلافات وتقريب وجهات النظر بين ممثلي الكتل على اختلافها السياسي والايديولوجي في وضع سياسي محتقن، حتى تتوفر أغلبية تفوق الثلثين أي 145 نائبا.