• أليس من حق مجلس نواب الشعب التدخل رفقة الحكومة من أجل حلّ أزمة المجلس الأعلى للقضاء والذي اعتبره البعض تدخلا في السلطة القضائية؟
الإشكال لا يمكن في تدخل مجلس نواب الشعب او الحكومة لحل أزمة المجلس الأعلى للقضاء، بل يكمن بالأساس في آلية التدخل لتخطي الأزمة وتجاوز الخلافات، حيث أن الأشكال في الأهداف والغايات من هذا التدخل. لقد كان بإمكان رئيسي مجلس نًواب الشعب والحكومة كل من موقعه وبما لديهما من سلطة اعتبارية السعي الى التوفيق بين وجهتي النظر والبقاء على نفس المسافة بين المختلفين من اعضاء المجلس الأعلى للقضاء ضمانا لاستقلاليته وحياديته باعتباره ضامنا لاستقلال السلطة القضائية. لكن الحكومة التفّت عن آلية التوفيق والتحكيم بين الطرفين عبر الحوار وفضلت التدخل المباشر في مناسبتين. الاولى عندما رفضت امضاء الأوامر المتعلقة بالتسمية في بعض الوظائف القضائية السامية لتنتصر الى «شق» على حساب الاخر فأججت صراعا وعمقت خلافا كان بالإمكان تفاديه منذ البداية.
والثانية لما أعادت مبادرة ترمي الى إتمام وتنقيح القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء وإحالتها الى مجلس نواب الشعب، وهو مقترح فيه انتصار واضح لطرف معين، مقترح يذهب الى حسم الخلاف تشريعيا لفائدة الأقلية من اعضاء المجلس. وفي هذا ترحيل غير بريء للازمة من القصبة الى بارود، هي محاولة من الحكومة ليس فقط للزج بمجلس نواب الشعب في هذه الأزمة بل هي محاولة منها لتقنين موقف سياسي يهدف الى وضع اليد على السلطة القضائية، وعلى السلطة التشريعية ان ترفض توظيفها سياسيا وبهذه الطريقة.
• هل يدل تنقيح القانون على عدم جدوى النسخة الحالية والتي تمت المصادقة عليها من قبل لجنتكم؟
مطلقا لا، فَلَو تعلق الامر بثغرات في القانون الأساسي للمجلس الذي صادقنا عليه منذ أقل من عام لكان الحل سهلا ولن يثير جدلا، نحن الان في بداية تطبيق احكام هذا القانون ولم اسمع خبيرا في القانون تحدث عن نواقصه. القانون كما هو الان لا يثير اختلافا في التأويل ولا صعوبة في التطبيق، ويفترض في المشرع ان لا يتدخل الا لمعالجة الثغرات وإتمام ما بالقانون من نواقص وعلى ان يحقق التدخل التشريعي مزيدا من المكاسب لدعم استقلال السلطة القضائية، لا ان يخطو بها خطوة الى الوراء.
أما الذي يحدث الان فلا يذهب في هذا الاتجاه، ما يحدث هو التفاف على أحكام نص قانوني غير معيب ويضمن استقلال القضاء وينأى به عن التجاذبات الحزبية، باعتبار أن الغاية منها اضعاف المجلس والقرارات الصادرة عنه
• طيب، أين يتجه موقف اللجنة؟
دعني اقول صراحة ان اللجنة لم تعد لها شخصيتها، يصعب ان نتحدث عن وجهة خاصة بها، لا ارى لها «لونا» واضحا ولا اعتقد انها قادرة في هذه المرحلة على انتاج موقف جدي يمازج بين ما هو سياسي وما هو قانوني ويعكس روح التنوع والاختلاف في تركيبتها. ومع ذلك فان لجنة التشريع العام فيها الأغلبية والأقلية. فالأغلبية الحاكمة تعبر عنها المبادرة التشريعية وبالتالي فان وجهتها هي نفسها وجهة الحكومة رغم ما نسمعه من شعارات وخطب ترفع من هذا ومن ذاك تتمسك في ظاهرها باستقلال القضاء ولكنها لا ترفض المبادرة في جوهرها ويبررون موقفهم بضرورة اعلاء المصلحة العامة والتعجيل بإرساء وتركيز المجلس. ولكن في الحقيقة هم يجدون في المقترح ما يستجيب لرغبتهم في إيجاد موقع ما داخل المجلس بواسطة بعض الأعضاء حتى يتمكنوا من قراراته.
اما المعارضة وهي الاقلية فهي لاتزال متمسكة وبصفة مبدئية باستقلال القضاء وبعدم التدخل في شانه إلا بغاية ترسيخ هذه الاستقلالية، وأنتم تذكرون كيف خاضت الجبهة الشعبية صراعا طويلا ومريرا من اجل تحقيق هذا الهدف بمناسبة النظر في مشروع الفانون الأساسي للمجلس. فخلافنا مع الهياكل المهنية للقضاة ومع بعض القضاة ومع الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ورئيسها السابق وما صدر عنها من قرارات اعتبرناها مستفزة وغير موضوعية وفاقدة للنزاهة، قرارات لا تعكس رغبة في إصلاح القضاء ومقاومة الفساد ومحاسبة الضالعين فيه، قرارات اتسمت في بعضها بفئوية ضيقة وانتصار اعمى للصفة على حساب الحق والمصلحة العامة. فرغم هذا كله نحن ننتصر للمبدأ، والمبدأ عندنا هو النضال من اجل سلطة قضائية مستقلة، لذلك نحن نرفض هذه المبادرة التشريعية ونحمل رئيس الحكومة مسؤولية تعطل ارساء وتركيز المجلس ونعتبر عدم امضاء الأوامر امتناعا منه عن ممارسة صلاحياته وتدخلا غير مقبول في شان القضاء.
• ماهي أهم المقترحات والحلول لحلحلة ازمة المجلس الأعلى للقضاء؟
أنتم تعلمون ان 3 قضاة سامين قدموا مبادرة فيها تصور توافقي وقد علمنا ان 28 عضوا من اعضاء المجلس تبنوها، اذ كان لا بد ان نبني على هذه المبادرة النابعة من داخل العائلة الواحدة وندعمها ونحث عموم القضاة وبقية اعضاء المجلس على الالتفاف حولها. لكن الثابت ان الحكومة وحركتي النهضة والنداء يرفضون هذه المبادرة وفي أحسن الحالات يقبلون بها بشروط تفرغها من مضمونها وتزيد الأزمة عمقا، وانا لا انفي صراحة دور الحكومة والأطراف السياسية المكونة لها في تأجيج الصراع بين القضاة والسعي الى اطالة حالة الفراغ. وللتذكير فقط أشير الى ان الحكومة سارعت بعرض المقترح التشريعي على مجلس نواب الشعب مباشرة بعد ان رفع اصحاب المبادرة القضائية مبادرتهم الى رئاسة الجمهورية وتوصلوا الى عقد اجتماع ضم اكثر من ثلثي الأعضاء، فالأمر واضح وهو أنّ الحكومة تزعجها وحدة القضاة ويزعجها اكثر ان ينبع الحل من داخلهم، هي تراهم أطفالا قصرا غير قادرين على الاهتداء الى الصواب.
• إذن أنت تتهم الحكومة؟
نعم، هناك مساعي من الحكومة ومن الائتلاف الحزبي الحاكم للسيطرة على المجلس الأعلى للقضاء، وتركيع السلطة القضائية وإخضاعها الى اجندات حزبية معينة عبر «تحزيب المجلس»، ومن تابع المسار الانتخابي لأعضاء المجلس وكيفية التعاطي مع نتائج الانتخابات يفهم هذا جيدا، ودعني اصرح بأمر لم يعد اليوم سرا، ألم يتم اخضاع انتخابات اعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين الى المحاصصة الحــــزبيـــة ؟؟ يجب ان نتنبه الى أمر مهم وهو أن الائتلاف الحزبي الحاكم يسعى الى وضع يده على كل المؤسسات الدستورية والهياكل والهيئات المهنية والمنظمات الوطنية والجمعيات الأهلية، وهذا فيه خطورة كبيرة على الديمقراطية، وعلى مسار الانتقال الديمقراطي.
• دعوة رئيس المجلس للانعقاد وتخفيض النصاب القانوني الن يؤثر على قرارات المجلس والمسار القضائي؟
اذكرك فقط بان تحديد الجهة التي لها صلاحية دعوة المجلس الى الانعقاد بعد اول انتخابات لأعضائه أخذت حيزا زمنيا طويلا داخل لجنة التشريع العام بمناسبة النظر في مشروع قانون المجلس، وانتهينا الى منح هذه الصلاحية لرئيس الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. اذ أن إسناد هذه الصلاحية اليوم الى جهة اخرى من غير الجهات القضائية فيه نكوص على الاعقاب مقارنة بما ذهب اليه المشرع منذ اقل من عام واحد والأصل ان تكون الغاية من تنقيح القانون هو تحسين مضمونه وتطويره وتحقيق الإضافة الإيجابية مقارنة بالنص السابق وليس التراجع الى الخلف. وتنضاف الى خطورة إسناد صلاحية الدعًوة للانعقاد الى جهة غير قضائية خطورة التخفيض في النصاب القانوني المطلوب الى الثلث، وهذا كما سبق ان اشرت فيه إضعاف لقرارات المجلس، يعني مصير القضاء والقضاة سيحدده ثمانية اعضاء من جملة 45 عضوا !!!!
• قانون المصالحة يتجه من جديد في نسخة معدلة نحو اللجنة، كيف ستتعاملون هذه المرة في ظل التوافق الواسع بين بقية الكتل؟
كلما اشتدت أزمة حكومة حزبي النهضة والنداء الا وتعالت اصواتهم منادية بالمصادقة على قانونين: أولهما قانون ما سمي بالمصالحة الوطنية وثانيهما قانون دفع الاستثمار. هم يريدون ان يقنعوا الشعب بان حل ازمة البطالة والفقر والتهميش والتنمية الجهوية يمر بالضرورة عبر القانونين المذكورين وإن المعارضة وتحديدا الجبهة الشــعبية تعرقل تمريرهما، وهذه مغالطـــة. فالجبهة الشعبية مع المصالحة الوطنية وليست مع تبييض الفساد المالـــي والاقتصادي، الجبهة مع دفع الاستثمار ولكنها ضد تقنين الفساد ووضع اليات لحماية الفاسدين. اذ إن الائتلاف الحاكم يريد إيهام التونسيين بأنه يعمل على وضع تشريعات لمصلحتهم والحقيقة خلاف ذلك، فهي قوانين تشرع للفساد وأنتم تابعتم النقاش داخل لجنة المالية حول مشروع قانون الطوارئ الاقتصادية ولاحظتم خطورة الثغرات التي تضمنها ومع ذلك
ترفض الأغلبية معالجتها لان همهم لَيْس دفع الاستثمار وإنما تحصين الفساد، وتابعتم النقاش في لجنة التشريع العام حًول قانون المصالحة واستمعتم الى الخبراء وكيف بينوا ان هذا النص القانوني هزيل وخطير والغريب ان الأغلبية مقتنعة بذلك ولاتزال متمسكة بهذا النص تحت شعار المصالحة، فالغاية ليست المصالحة الحقيقية كالتي ندعو لها، غايتهم التستر على الفساد وابتزاز المشتبه فيهم. وعلى أية حال، فإنّ الجبهة الشعبية قدمت مبادرة تشريعية تهدف الى تنقيح وإتمام قانون العدالة الانتقالية سنتمسك بها وندافع عنها.