المكلف بأن هنالك اشتغالا على الأسماء منذ بداية التكليف (هذا إن لم يكن قبله) ولكل حقيبة هنالك أكثر من مرشح مقترح وأن بعض الأسماء التي تم تسريبها موجودة على هذه القوائم دون أن ندري ترتيبها الحقيقي في ذهن صاحب القصبة المرتقب... ولهذا يكون الحكم على بعض هذه التسريبات متعجلا ما دمنا لسنا متأكدين من صدقية وجدية كل المعلومات التي أضحت اليوم تكتسح الشبكات الاجتماعية وكذلك بعض وسائل الإعلام...
في ظل غياب المعلومة الثابتة والأكيدة بخصوص الأسماء المقترحة لتأثيث الحكومة القانوني نريد فقط التأكيد على الأمر التالي: ضرورة الإيفاء بتعهدات البداية التي ألزم بها يوسف الشاهد نفسه: الكفاءة والتشبيب والتأنيث...
• في بعض الأسماء المتداولة الآن كفاءة لا تنكر ولكن الملاحظة التي يمكن أن نسوقها بشأن هذه التسريبات هي كثرة وجود الحرس القديم لنظام بن علي.. ونحن لا نتحدث عن الخصال الفردية للأشخاص ولا نريد أن نحاكمهم سياسيا كما يقال ولكننا نريد التأكيد على تهافت نظرية باتت وكأنها يقين عند بعض صنّاع القرار وهي أن الكفاءة موجودة أساسا عند وزراء وإطارات النظام السابق وأن تونس اليوم محتاجة لهم إن هي أرادت الخروج من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية الخانقة...
هذا القول لا يصمد أمام أي تحليل: بداية لو كانت الكفاءة مرتبطة بـــ«الحرس القديم» لماذا استغنينا إذن عن الحبيب الصيد؟ بل في هذا الصنف تحديدا يُعدّ الحبيب الصيد من أفضل ما أنجبت هذه «المدرسة» وله فوق ذلك تجربة في الإدارة قديما وحديثا...
وثانيا – وهذا الأهم في نظرنا – لقد لفظ الشعب التونسي نظام بن علي لا فقط لتغوّل المافيات العائلية المحيطة به بل وكذلك لأن السياسات العمومية المطبقة أدّت إلى فشل ذريع...
ومن وضع وخطط ونفّذ هذه السياسات؟ هم الوزراء «التكنوقراط» لبن علي... فسياساتهم واختياراتهم، إجمالا، جّرّبت ففشلت.. فكيف نعتمد عليهم اليوم والحال أن غالبيتهم الساحقة لم نر منها إعادة نظر في تلكم السياسات أو تجديدا فكريا لافتا؟!
ثم ثالثا وأخيرا هل أن من كان ناجعا – بمقاييس المنظومة القديمة – زمن الإدارة الطيعة والمواطن المنضبط بإمكانه النجاح في ظروف تونس اليوم؟ !
بلادنا بحاجة إلى النظر إلى المستقبل وأيّا كانت قيمة الأشخاص وكفاءاتهم النظرية فرجالات بن علي ينتمون لماضي البلاد...
• التعهد الثاني الذي قطعه يوسف الشاهد على نفسه هو التشبيب وعندما نمعن النظر في التسريبات ذات المصداقية الدنيا لا نرى أثرا لهذا التشبيب إلا في اسم أو اسمين على الأقصى... إلا إذا اعتبرنا في بلادنا أن الشباب السياسي هو لمن هم دون الستين سنة!!
تونس بحاجة إلى جرعات كبيرة من الجرأة.. والتشبيب ليس مجرّد تقليعة أو زينة خارجية للتسويق.. التشبيب في السياسة من عدمه يعكس العقليات العميقة في المجتمع وفي الطبقة السياسية...
في كل المجتمعات التقليدية الكفاءة (أو الخبرة كما يقال) مرتبطة طردا بالسنّ بينما نجد العكس تماما في المجتمعات الأكثر حيوية وحداثة حيث تتجدد الحلول باستمرار بتطور المعارف وتعقد الوضعيات وهذا يستدعي قيادة شابة تعيش عصرها ومهيأة لإعداد الغد...
كثيرا ما قلنا في تونس هذه السنين الأخيرة: الثورة صنعها الشباب وسرقها الشيوخ.. ولكن عندما نتحدث اليوم عن ضرورة التشبيب نسمع نفس الأصوات تقول: العبرة ليست بالسن، العبرة بالكفاءة !!
أقول (وأنا من معشر الشيوخ) بأن الكفاءة المطلوبة هي القدرة على التجديد وعلى ابتكار حلول غير تقليدية... وهذه القدرة تتلاشى تدريجيا مع التقدم في السن... ونخبة لا تثق في شبابها هي نخبة لا تثق في المستقبل...
• الالتزام الثالث لرئيس الحكومة المكلف هو التأنيث.. وعندما نتأمل في الأسماء المسربة نرى عددا من النسوة ولكن التأنيث لا يعني فقط وجود نساء.. بل يعني وجود صنف خاص من النساء ناضلن – بأشكال مختلفة – في سبيل الارتقاء القانوني والاجتماعي والمعنوي بوضعية المرأة وهذا ما نكاد لا نعثر عليه في الأسماء المسربة... كما أن التأنيث لا يعني الاستنجاد – لاعتبارات التوازنات الحزبية – بأسماء نسائية مثلت في وقت قريب استفزازا صارخا للهوية التونسية وثارت ضد رمزيتها نساء تونس في 2012 و2013..
نعيد ونؤكد بأننا لا نحاكم نوايا أحد ولكننا نطلب من رئيس الحكومة المكلف أن يكون وفيا للالتزامات التي قطعها على نفسه وألا تفرغ هذه الالتزامات من مضمونها فتتحول الكفاءة إلى الاعتماد على الحرس القديم والتشبيب إلى أولوية الخمسينيين والستينيين والتأنيث إلى الاستنجاد برموز قسّمت التونسيات والتونسيين...