من يقرأ بعض التعاليق اليوم أو ينصت إليها يبدو له وكأن الطبقة السياسية تريد التخلص من رئيس حكومة ناجح.. وأنها تريد إبعاده فقط لنظافة يده ولنزاهته ولحسن أدائه.. ومن يطالع تقارير أخرى يُخيّل إليه وكأن الحبيب الصيد هو وحده المسؤول عن هذا الفشل وأن كل مؤسسات الدولة والمنظومة السياسية هي عين النجاح...
وأضحى النقاش وكأنه منحصر بين خصوم الحبيب الصيد وأنصاره وتوارت عن أعيننا المعطيات الموضوعية الصلبة التي أدّت إلى هذه الوضعية...
لا يعتقد عاقل واحد (ونشدّد على كلمة عاقل) أنّ إخفاق حكومة ما مردّه إلى أحد أفرادها حتى وإن كان رئيسها فهذه سذاجة لا نجد أنصارا لها إلا في تونس.. ولكن أن يعتبر بعضهم أن رئيس الحكومة (ونشدّد على كلمة رئيس) لا علاقة له بفشل فريقه بل هو ضحية «مؤامرة» وانه بريء من الفشل براءة الذئب من دم يوسف فهذه سذاجة أخرى نجد لها أنصارا في هذا البلد العجيب الذي اسمه تونس..
ينبغي أن ننطلق ممّا هو سليم في الأذهان وفي الأعيان (أي الواقع) أيضا: الفشل - إن اتفقنا على وجوده – لا بد أن يقسّم بأقصى درجات العدل بين رئيس الحكومة والحكومة والأحزاب الداعمة للحكومة ورئيس الجمهورية...
كل هؤلاء شركاء في الفشل ورئيسا الجهاز التنفيذي يتحملان معا وبصفة متضامنة المسؤولية الأولى...
بداية ما الذي نقصده بفشل الحكومة الحالية قبل أن نتحدث عن مسؤوليات هذا وذاك؟...
الفشل هنا مرتبط بأمور ثلاثة لا رابع لها وهي أولا عدم القدرة على رفع نسق النمو وما ينتج عنه من بداية معالجة فعلية للبطالة والتهميش وثانيا عدم التحكم في منظومات العجز المالي للدولة بداية بمديونية البلاد التي ارتفعت في سنة واحدة بحوالي 7 نقاط كاملة.. وثالثا هو الإخفاق في إرساء الدولة المحايدة وهي الشرط الضروري لمحاربة جدية للفساد...
لا شك أن المنصف يرى نصف الكأس «الملآن» في حكومة الحبيب الصيد كالفاعلية الواضحة في مقاومة الإرهاب وبذل قصارى الجهد لدفع المشاريع المعطلة.. ولكن ثلاثية الفشل هذه لا ينكرها أحد وتتحمل مسؤولياتها منظومة الحكم كلّها..
سوف نقصر تحليلنا على عنصر واحد وهو التنامي الجنوني للمديونية العمومية ولا سيما في جانبها الخارجي...
عندما باشر الحبيب الصيد فترة حكمه لم تكن مديونية البلاد سوى 48,4 % (أرقام موفى شهر أفريل 2015).
لا شك أن هذه النسبة غير مرتفعة ولكن رغم ذلك كان التداين يمارس ضغوطا كبيرة على المالية العمومية ويجبر الدولة على سداد حوالي خمسة مليار دينار كخدمة لهذا الدين (أصل الدين مع الفوائد).
وكما هو معلوم فالتداين التونسي بعد الثورة مرتبط بالعجز الذي أضحى هيكليا لميزانية الدولة أي بعبارة أخرى لدولة تقترض، داخليا وخارجيا، لتلبية هذا العجز الذي أصبح يمثل أكثر من ....