لا في الشمال فقط ولكن أيضا شرقا وغربا أيضا ..
منذ حوالي الأسبوع تطور خطاب أوروبي أمريكي جديد قوامه أن تونس مهددة بالانهيار وأن النتيجة المباشرة لذلك هي تهديد أمن أوروبا بدءا بتفاقم أعداد المهاجرين غير النظاميين تونسيين وأفارقة من جنوب الصحراء وصولا إلى إمكانية تحول تونس إلى "بؤرة" للإرهاب وللجريمة المنظمة ،والحلّ العاجل لتلافي في هذه المخاطر هو الإمضاء الفوري على اتفاق مع صندوق النقد الدولي وتدفق سريع للسيولة من دول جنوب أوروبا خاصة فرنسا وايطاليا مقابل شروع تونس في الإصلاحات الاقتصادية مع إضافة طلب ملح جديد وهو بذل بلادنا لجهود إضافية قصد الحدّ الواضح من تدفق الأعداد الكبيرة من المهاجرين غير النظاميين المنطلقين من سواحلنا .
لاشك أن إصلاح أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضرورة ملحة وان انفتاحنا على العالم مسألة محسومة لكل ذي عقل سليم وان الدور الاجتماعي للدولة سيكون مجرد أضغاث أحلام دون اقتصاد حرّ قوي ومتوازن ومدمج للفئات وللجهات ، ولكن كل هذا في جانب ولعب دور شرطي حدود أوروبا الجنوبية في جانب آخر وعلاقة الأمرين ببعضهما البعض وان كانت موجودة إلا أنها ليست آنية إذ لا يتوقع عاقل واحد ان يحجم الراغبون في الهجرة السرية عن ذلك لأن البلاد دخلت في مشروع إصلاح اقتصادي بمرافقة صندوق النقد الدولي .ينبغي أن يحصل تحسن نوعي كبير ومستدام لظروف عيش عموم التونسيين حتى لا يقدم شبابنا وأطفالنا وكهولنا على مغامرة البحر المحفوفة بكل المخاطر وهذا بالطبع لن يحصل قبل عقد أو عقدين في السيناريو الأكثر تفاؤلا ..
أوروبا تريد حلولا اليوم الآن وهنا وهي ليست مستعدة لانتظار تحولات ايجابية ضخمة في تونس وبلدان الساحل الإفريقي حتى تتخلص من عبء هذا العدد الهائل من المهاجرين غير النظاميين .
ماذا تريد أوروبا من تونس الآن : تكثيف الرقابة على حدودنا البرية والبحرية ؟ هذا ضروري بالنسبة لها ولكنه لم يعد كافيا ..
ولنراهن أن الدعوات القديمة الجديدة لتحويل تونس إلى مركز لمعالجة ملفات الطالبين للجوء والهجرة إلى أوروبا من التونسيين أو من بقية الجنسيات الأخرى المتواجدة على أراضنا مع ما يقتضيه ذلك من وضع مراكز "ايواء " بدلا من تواجدها على الأراضي الأوروبية وفي لمبيدوزا تحديدا ..هذا المطلب القديم / الجديد سيطرح من جديد وبكل قوة على طاولة المفاوضات الأوروبية التونسية ..
هذا هو الأرجح بالنظر إلى طبيعة التصريحات وتتاليها والكلمات المفاتيح الواردة فيها .
لقد رفضت الدولة التونسية دوما هذا الطلب الأوروبي والذي كانت تصر عليه في السنوات الفارطة دول أوروبا الشرقية أكثر بكثير من الدول الأوروبية المتوسطية والتي كانت تبدي حينها تفهما للموقف التونسي ..
في الحقيقة لقد شهد الموقف الأوروبي من تونس تحولات هامة على امتداد حوالي السنة فبعد أن كان التركيز قائما على استئناف حياة ديمقراطية إدماجية أصبح يركز أكثر على ضرورة الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية وأخيرا إلى التصدي الحازم للهجرة غير النظامية.
تبقى أوروبا الشريك الأول لتونس لا فقط على مستوى التجاري والاقتصادي والمالي ولكن أيضا على المستويات السياسية والثقافية والإنسانية..هذه حقيقة الجغرافيا والتاريخ ، ومن مصلحتنا أن نكون حريصين على تطوير هذه الشراكة وتنويعها وتعميقها ولكن انطلاقا من مصالحنا الوطنية الإستراتيجية ومما نعتبره أولوياتنا التنموية والاقتصادية ..
هل يعني هذا ألا نصغي إلى المخاوف الأمنية لأوروبا أو ألا نحتاط من المخاطر الحقيقية لشبكات الجريمة المنظّمة العابرة للقارات والتي تجد في الحالمين "بالفردوس" الأوروبي لقمة سائغة لها ؟ بالتأكيد لا، ولكننا نريد نقاشا متكافئا يضع كل المعطيات الموضوعية على الطاولة من اجل حلول ناجعة ومربحة للطرفين.
والسؤال هنا بسيط للغاية: هل تملك السلطة الحالية في تونس القدرة على إدارة مفاوضات بهذه الطريقة مع الطرف الأوروبي ؟
لا نعتقد ، والسبب بسيط للغاية قوة الدول اليوم في قوة وصلابة صفها الداخلي ، ووحدها الديمقراطية التشاركية الإدماجية المحترمة للحقوق والحريات قادرة عل هذا .
تلك هي المسألة .