في كل هذا بأن وحدهم وزراء بن علي قادرون على إنقاذ تونس اليوم لأنهم رجالات دولة ومدركون لفن تسييرها على عكس السياسيين الآخرين الذين لا يملكون هذه الخبرة وعندما أسندت لهم مهام وزارية بعد الثورة فشلوا جميعا في النجاح فيها بالقدر المطلوب...
كان هذا الكلام يقال باستحياء كبير أواخر سنة 2012 ثم ما فتئ يتدعم من سنة إلى أخرى وتتسع دائرة المؤمنين به إلى أن أضحى قناعة لا تحتمل الدحض عند بعضهم...
لكل هؤلاء نقول بداية بأن رئيس الحكومة الحالي هو من الذين اشتغلوا مع بن علي ورغم أنه حاصل شبه إجماع حول نظافة الرجل وإخلاصه ووطنيته ولكن لا يمكن أن نقول بأنه المثال الأفضل للنجاعة وللنجاح...
والإخفاق – النسبي – للحبيب الصيد لا يجعلنا نطمئن لنجاح مفترض من عند غيره...
ولكن ما لا يدركه البعض جيّدا في دوائر القرار بان تونس قد تحوّلت بصفة جذرية منذ الثورة وأن الوصفات «الناجحة» قبلها لا حظوظ لها للنجاح اليوم...
نحن لا نقول بأن كل من خدم مع النظام السابق هو موسوم بشبهة فساد فبعضهم نظيف اليد ولم يثبت ضده شيء في هذا المجال المخصوص وبعضهم أيضا خيّر مغادرة الأضواء ومواقع الحكم في بداية أو أواسط عهد بن علي.. ولكن الإشكال هو مع من واصل العمل مع النظام السابق إلى آخر لحظة والحال أن القاصي والداني كان على علم بالمنظومة المافيوزية العائلية السائدة وقتها ولا أحد من هؤلاء تجرّأ لا على معارضتها بل على النأي بنفسه عنها بالانسحاب من حكومة فقدت كل شرعية ومشروعية.. لقد عرفت تونس بعد الاستقلال استقالة عدة وزراء.. هؤلاء يحق لهم بأن يوصفوا بأنهم رجال دولة......إن الذين لم يكن بإمكانهم إلا أن ينصاعوا لمنظومة غير عادلة أو غير نزيهة وغير شفافة... منظومة الحكم الفردي والمافيات العائلية... هل سيصبح هؤلاء قادرين بقدرة قادر على التصدي للوبيات الفساد الجديدة خاصة عندما تمتزج ببعض أدعياء السلطة؟!
نحن نعلم أن كل تعميم فيه نوع من الظلم وأنه قد يكون من بين وزراء بن علي إلى حدود يوم 14 جانفي 2011 من هم أنقياء الظاهر والباطن... ولكن الشبهة كبيرة ولا نعتقد أن مناط الوحدة الوطنية يتحقق بإيجاد شرخ جديد في تونس اليوم...
ولكن وبغضّ النظر عن هذه الأسباب المبدئية هنالك اعتراض عملي ملموس وهو أن وزراء النظام السابق الذين نقول عنهم بأنهم أكفّاء وقد حققوا نجاحات ملموسة في مجالات نشاطهم – وهذا صحيح – إنما اشتغلوا في فترة كانت فيها الإدارة والبلاد منصاعة ومطيعة للسلطة السياسية على عكس حالنا اليوم بعد الثورة... فمن نجح في منظومة الانصياع لا يمكنه حتى مجرد فهم منظومة الاحتجاج والرفض السائدة اليوم... هذه المنظومة تحتاج إلى صنف خاص من الوزراء وهو ما نصطلح عليهم بالسياسيين ولا نقصد بذلك المتحزبين بل نقصد كل الشخصيات التي تملك قدرة على التفاوض وعلى إدارة الأزمات وعلى حشد كل طاقات منظوريها للتقدم إلى الأمام... إنها خصال القائد في كل ميدان... وما نلاحظه أن جل وزراء المنظومة القديمة لا يملكون هذه الخصال لأنهم صعدوا للمنصب الوزاري من خلال تفوق علمي أو إداري يضاف إليها رضا من القصر وقلّ وندر أن يكونوا من صنف السياسيين...
كل هذه الأسباب وغيرها تجعلنا نشك كثيرا في قدرة أحد وزراء النظام السابق على قيادة سفينة تونس اليوم... نحن نحتاج إلى الخبرة ولا شك ولكن نحتاج معها إلى الإيمان بمبادئ الثورة التونسية ونظرة جريئة وطموحة للمستقبل ونحتاج أيضا لرئيس أو رئيسة حكومة لا تشوب حوله أو حولها شائبة حتى لا يكون ذلك عائقا إضافيا أمام عمل الحكومة القادمة...
لقد حان الوقت لتراهن تونس على شبابها ونسائها وأن نخرج من أسر «الخبرة» الذي يعني عند بعضهم قضاء السنين الطوال في أروقة الحكم فقط لا غير...
بلادنا بحاجة إلى أفكار جديدة يحملها جيل جديد..