من جديد، في منطقة يعرفها جيدا من غياب الطرقات والصرف الصحي وأحيانا الماء الصالح للشراب والأرجح أن بعض ذلك ناجم عن البناء الفوضوي خارج أمثلة التهيئة العمرانية ،كما ألمح إلى ذلك أحد المتساكنين .
وعندما ربط رئيس الدولة مشاكل البلاد بأحد مكونات المعارضة (جبهة الخلاص) واجتماعاتها «المسرحية» (نسبة إلى المسرح البلدي) فهو يقول لنا – وللعالم أيضا – أن مشاكل ومطالب الشعب التونسي اقتصادية واجتماعية ولا تتعلق بالشعارات التي ترفعها المعارضات من مواضيع الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل تلك المقاربات «التقليدية» في الديمقراطية الليبرالية التمثيلية التي تجاوزها التاريخ.
يبدو أن الخطاب الرئاسي مازال مفعما بالشحنة «الديمقراطية» الصينية العربية في القمة الأولى التي انعقدت منذ أيام قليلة في المملكة العربية السعودية حيث جاء في بيانها الختامي تمسك كل هذه الدول بالديمقراطية ولكن بمواصفات محلية لا كونية وانه لكل دولة الحق قي تطبيق «الديمقراطية» التي تناسبها دون أن يتدخل أحد في ذلك ..
لنسلم جدلا بهذا الصنف من «الديمقراطية» باعتبار أن الأساسي هو الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا الحقوق السياسية المنتمية إلى فلسفة حقوق الإنسان «الليبرالية».
في مثل هذه «الديمقراطيات» تكون الإنجازات الاقتصادية والمكتسبات الاجتماعية هي المحددات الوحيدة للنجاح حتى وإن تم ذلك على حساب الحقوق والحريات بل وتسوّق أبواق هذه «الديمقراطيات» إلى أن الدولة القوية (أي المستبدة) هي وحدها القادرة على توفير الحد الأدنى من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها ..
نحن هنا أمام ما يُسمى بشرعية الإنجاز كبديل عن الشرعية الديمقراطية «التقليدية» .
والغريب في بلادنا أن الإنجاز هو المنسي الأكبر زمن «العشرية السوداء» كذلك مع هذه «الديمقراطية الحقيقية» وإلا فكيف نفسر اكتفاء رئيس الدولة (بعد أكثر من ثلاث سنوات من عهدته وبعد حوالي 17 شهرا من تجميع كل السلطات) بالإشارة إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ لمواطني حي يعرفه جيدا منذ سنوات عدة ، والحال أننا نعلم أن هنالك مئات الآلاف من المواطنات والمواطنين الذين يعيشون في ظروف أسوا بكثير من أهالي هذا الحي في المنيهلة ..
ثم نحن أمام تراجع مستمر للقدرة الشرائية للمواطنين من الفئات الشعبية ومن الطبقات الوسطى على حدّ سواء وهنالك تقديرات جدية بانحدار حوالي 600.000 موطن منذ سنة 2020 تحت خط الفقر ..
وعندما ننظر إلى مختلف منظومات الإنتاج الغذائية وغير الغذائية نجد أن بعضها مهدد اليوم بالاندثار وأنها كلها تعيش صعوبات هيكلية دون أن تقدم السلطة التنفيذية ولو بعض الحلول الترقيعية التي تعودنا عليها ..
مشاكل تونس فعلا هي مشاكل اقتصادية واجتماعية ولكنها قبل ذلك مشاكل (غياب) سياسات عمومية ومشاكل حوكمة بصفة عامة.
ينبغي أن ندرك أن «الديمقراطية» على النمط الصيني العربي،أي النظم التسلطية بالتعريفات «الكلاسيكية» إنما تأسست على شرعيات مختلفة منها الشرعية الثورية أو الدينية أو التاريخية وان هذه البلدان لم تشهد قط في حياتها فترات من الحكم الديمقراطي مهما كانت علاته وأن السلطة فيها لا تؤول إلى من تفرزه صناديق الانتخاب وأن نسبة المطالبين فيها بالحريات والديمقراطية في ازدياد مضطرد لذلك اضطرت هذه النظم إلى تبني مصطلح الديمقراطية مع إفراغه من كل مضمون فعلي ..
في تونس شهدنا عشرية من الانتقال الديمقراطي فيها عيوب كبيرة وأخطاء جسيمة من بينها عدم العمل الجدي على تحسين أوضاع البلاد الاقتصادية وأوضاع الناس الاجتماعية .
والحل كان يكمن في إصلاح الانتقال الديمقراطي وتنقيته من شوائب التطرف والإرهاب والفساد وسوء إدارة الدولة حتى تحقق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي أيضا ..ولكن يبدو أن البلاد سائرة في مراكمة الأخطاء وتعميقها لذلك يتواصل فيها غياب الإنجاز وتتقلص فيها فضاءات الحقوق والحريات وتفرغ فيها الديمقراطية من القيم والمبادئ التي قامت عليها ..
فعلا مشاكلنا اقتصادية واجتماعية ولكن لا حلول خارج دولة المواطنة والديمقراطية التشاركية.
فعلا مشاكل تونس اقتصادية واجتماعية ..
- بقلم زياد كريشان
- 11:00 13/12/2022
- 1612 عدد المشاهدات
في زيارة رئيس الجمهورية إلى بعض الأحياء في المنيهلة منذ يومين قال «انه أراد أن يقول للعالم أن مشاكل تونس اقتصادية واجتماعية» وهي المشاكل التي عاينها