وذلك لقدرة اللاعبين السياسيين على صناعة «عرض» ولحاجة «الجمهور» لمادة تسمح له بالتفاعل معها والانخراط عاطفيا.
وضع تجسد امس الثلاثاء 19 جويلية 2022 في عرض فرجوي ضخم كانت له قراءات مختلفة باختلاف تموقع المتفرج. والعرض هو مثول رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي امام القطب القضائي لمكافحة الارهاب وغسيل الاموال للاستماع اليه كمتهم في قضية جمعية «نماء».
هنا يمكن الاستغناء عن الاعمال التحضيرية وعن عمليات الشحن والتعبئة من طرف «صانعيْ» المشهد الذي تجسد امس بوصول سيارة رئيس حركة النهضة ونزوله منها امام حشد من الانصار والداعمين الذين احاطوا بالمكان وقد استعدوا لذلك بلافتات وشعارات عدة. اذ يمكننا فقط ان نهتم بالعملية الاخراجية وكيفية عرض مثول رئيس حركة النهضة امام القضاء كمتهم للاستماع اليه وتدوين اعترافاته قبل الاستماع للمرافعات وإصدر قاضي التحقيق لقراراه، لتفكيك العرض وفهم ما يبحث عنه كل طرف.
فمن الجلي ان العرض امس هو صناعة ثنائي. احدهما راشد الغنوشي الذي كان بدوره جزءا من المشهد وحاضر كعنصر اساسي بنيت حوله العملية المشهدية، من استقبال ومن تصريحات وإحاطة، ومن نشر رسالة الى الرأي العام وغيرها من التفاصيل التي اثثت يوم امس.
تفاصيل مرتبة ومترابطة تهدف الى تقديم صورة جديدة لرئيس حركة النهضة كـ «رجل دولة» وسياسي بارز وزعيم لتيار سياسي قوي. يقرّ في رسالته بوجود اخطاء في تجربة حكم حركته ولكنه اعتبر انها قد خضعت لعملية توظيف وتهويل مما حجب إنجازاتها. وهذا ليس بهدف الدفاع عن الحركة اذ ان الدفاع لا يهم الغنوشي بل الهجوم على خصمه هو كل ما يهم.
والهجوم هو ما تجسد بخطوات وتصريحات قيادات النهضة في اطار عملية اعادة ترتيب الاحداث والحقائق لتكون الصورة ان النهضة ورئيسها وباقي قياداتها يخوضون معركة من اجل تونس كان بإمكانهم تجنبها بخيارات اخرى لكنهم اختاروا البقاء و«النضال» من اجل الديمقراطية او هذا ما يسوق له بهدف خلق صورة تقدم النهضة لا كحركة ضعيفة بل كحركة قوية قادرة على ان تجاري من في السلطة وان تخوض معه المعارك التي يريد ان يفرضها عليها، والقصد هنا انها تريد ان ترسل تحذيرا بان الذهاب ابعد في مسار تضيق الخناق حولها او محاصرة زعمائها لن يكون باليسير الذي تتوقع السلطة وان الحركة لها من القوة ما يسمح لها بان تواجه السلطة في اي ميدان تجرّها اليه، واليوم هو قانوني وقضائي.
و هذه الرسالة لا يمكن لها ان تقدم بشكل فض او صدامي، بل بأسلوب مسرحي فرجوي تحقق فيه النهضة كسبا من خلال ابراز انها، ورغم الضغط المسلط عليها، لازالت تريد ادارة الخلاف سلميا وسياسيا والهدف هنا تسويق خارجي بالأساس يهدف الى احراج الصانع الاخر للمشهد.
وصانع مشهدية امس ليس راشد الغنوشي بل ايضا رئيس الجمهورية الذي كانت بصمته واضحة وجلية في المشهد وان كان غائبا ماديا. فالصورة التي اريد لها ان تقدم امس من قبل من هم في السلطة مركبة تتكون من مستويين.
الاول هو المحاسبة او ما تريد ان تقدمه السلطة من عزمها وإصرارها على محاسبة منظومة ما قبل 25 جويلية2021. ومن سيجسد هذه المنظومة افضل من حركة النهضة وخاصة رئيسها. لذا فقد استعدت لهذا المشهد بأعمال تحضرية افضت في النهاية الى ان تجر راشد الغنوشي الى قطب القضاء للاستماع اليه كمتهم.
الصورة التي تقدمها السلطة الراهنة هي انها في طور الاستجابة لمطالب «شعبية» تتمثل في محاسبة من اجرم واخطأ في حق تونس والتونسيين وها قد انطلقت في ذلك وهو المستوى الاول الذي يمكن ادراك انه متصل بالوضع السياسي وبموعد الاستفتاء على مشروع الدستور. هنا سيتضح ان السلطة قدمت لجمهور غاضب عرضا يراد له ان يهيئ الجمهور لتفاعل عاطفي مع الحدث.
والحدث لم يكن ابدا ابعد من مثول راشد الغنوشي امام قاضي التحقيق والاستماع اليه قبل ان يسمح له بالمغادرة. وهو ما تم في النهاية بان غادر الرجل قطب القضاء بعد ان استكمل القسم المتعلق به في المشهد.
ولكن المشهد لم ينته هنا بل هو مستمر. فالسلطة تراهن على الشحن العاطفي لجمهور من التونسيين غاضب وحانق على حركة النهضة التي تختزل في شخص رئيسها الذي قدمته لهم السلطة «كمتهم» لإثبات عزمها ولكنها تحتاج اكثر من العزم.
ما تحتاجه السلطة هو «الحكم» والتخلص من مراكز نفوذ النهضة في الدولة وباقي اجهزتها، هذا ما جعل السلطة تسرب البعض من كواليس الاستماع للغنوشي وخاصة طلب النيابة العمومية بايداعه السجن، للقول بان السلطة تعمل ولكنها وفي ظل وضعها الراهن لا يمكن ان تذهب الى ما هو ابعد حاليا. وعليه فان اراد جمهور الغاضبين ان تتم محاسبة النهضة يجب ان يلتفوا حول من اثبت لهم انه صادق في المحاسبة. والاتفاف هو بالذهاب الى الصناديق لمنح السلطة «نظام حكم» جديد بمكنها من ادارة عملية محاسبة النهضة وانهاء تغلغلها في الدولة.
مع الاقتراب من نهاية آجال حملة الاستفتاء: «المشهدية» أداة السلطة والنهضة في إدارة الصراع
- بقلم حسان العيادي
- 10:11 20/07/2022
- 874 عدد المشاهدات
اليوم وفي ظل تداخل الواقعي والافتراضي. باتت «المشهدية» تهيمن على كل التفاصيل ومنها العملية السياسية ابرز مسارح العروض الفرجوية