وجلّها نتيجة سياسات تحّد من هذه الحقوق إن لم تكن تهددها في جوهرها ..
في الحقيقة قليلة جدّا هي البلدان التي يصعب فيها انتهاك هذه الحقوق ولكن حقوق الأفراد والأقليات معرضة دوما للانتهاك في كل دول العالم ..
في تونس لا مقارنة اليوم بين وضع حقوق الإنسان قبل الثورة وبعدها ولكننا رغم ذلك لم نصل إلى نقطة اللاعودة في ضمان احترام حقوق الإنسان ..لقد انتهكت حقوق الإنسان بتعلة الخصوصية الثقافية أو «حماية المقدسات» وتم الاعتداء على مثقفين ومبدعين وخصوصا على نساء كثيرات لاسيما في الفضاءات العامة دون أن تحرك سلطة «الترويكا» الحاكمة آنذاك ولو إصبعا صغيرا .
وفي تونس تنتهك حقوق موطنين في مراكز الإيقاف أو في الطريق العام من قبل بعض قوات الأمن وفي كل مرة يُقال لنا بأننا إزاء تصرفات معزولة ولكننا لم نسمع مطلقا عن تتبعات إدارية أو قضائية تخص هؤلاء المعتدين ..
في تونس يسجن مواطنون لأنهم يفطرون في رمضان أو لأنهم يسترقون قبلة في جنح الليل فتنتبه إليهم الأعين التي لا تنام ..
في تونس يُعتدى على مواطنين أو أجانب لأنهم سود البشرة أو لأنه يُخيّل إلى بعضهم أنهم مثليون ..وفي تونس أيضا يقع الاعتداء على الحرمة الجسدية العامة أو الحميمية بالضرب أو بالفحص الشرجي أو بالبحث عن غشاء البكارة ..
في تونس تنتهك يوميا حقوق العاملات الفلاحيات وغير الفلاحيات وجلّ العاملين في قطاعات هشة ويهرسلن (ون) معنويا وأحيانا جنسيا دون ردع في جل الأحيان لأن العلاقات الشغلية غير متكافئة بالمرّة .
يمكن أن نحصي أصنافا أخرى كثيرة من الاعتداء على حقوق الإنسان والمعتدون في أحيان كثيرة هم أشخاص في موقع قوة إزاء الضحايا أو جماعات سياسية أو إرهابية أو أجهزة الدولة ..
وكما أسلفنا فإن جلّ الدول الحديثة العهد بالديمقراطية تعيش أوضاعا مشابهة ولكن الفرق دوما هو في ما نسميه بالإرادة السياسية أي سياسة الدولة المعلنة والفعلية في هذا المجال : هل هي مع الانتهاكات أو ضدها أم هي ضدها لفظا ومعها فعلا؟
في تونس نعيش قبل 25 جويلية وبعده في سكيزوفرينيا غريبة : خطاب السلطة في واد وممارستها في واد آخر ..ولكننا مع مرور الأسابيع والأشهر نلاحظ تناغما متزايدا بين القول والفعل ..تناغم يصبّ في مصب واحد : حقوق الإنسان ليست قيمة في حد ذاتها بل هي تدور سلبا وإيجابا مع «وطنية» و«إخلاص» المعني بالأمر ..
في العقود الماضية رفعت بعض التيارات السياسية في العالم شعار «لا حرية لأعداء الحرية» واليوم وكأننا نرفع شعار « لا حقوق إلا للصادقين الوطنيين» أما الآخرون فلا حقوق لهم ..
ما حصل مع القضاة المعفيين منعرج خطير في انتهاك حقوق الإنسان لأنه ضرب في نص واحد لكل المقومات الأساسية للمحاكمة العادلة بدءا بقرينة البراءة وصولا إلى حق التقاضي والطعن مرورا بالتشويه والتخوين عبر شبكات منظمة في مواقع التواصل الاجتماعي ..
يقع كل هذا ونحن على أبواب استفتاء على دستور يسوق له بكونه ضامن للحقوق والحريات ولدولة القانون ولاحترام حقوق الإنسان ..
بداية جلّ النصوص الدستورية تبدو وكأنها ضامنة للحقوق والحريات .. ولكن الأساسي -على أهمية النصوص والضمانات الدستورية- هو الضمان الفعلي في ممارسة السلطة لهذه الحقوق وفي عدم إطلاق يد السلطة التنفيذية مهما كانت الأسباب .
ثم لو كنا فعلا بصدد صياغة دستور ضامن لحقوق الإنسان ولدولة القانون فما بال القائمين على هذه الصياغة صامتون عن كل هذه الخروقات ؟ !
يوم الجمعة الماضي سأل النائب السابق عن التيار الديمقراطي نبيل الحاجي على أمواج «اكسبراس أف.ام» العميد الصادق بلعيد المنسق العام للهيئة الوطنية الاستشارية من اجل جمهورية جديدة حول رأيه في الأمر الذي تم بموجبه إعفاء 57 قاضيا دون تمتيعهم بحق الطعن إلا بعد صدور حكم بات لفائدتهم فأجاب السيد العميد انه لا رأي له وأن دوره تقني وهو غير معني بالسياسة وبصراعاتها..
الدفاع عن حقوق الإنسان وعن الحقوق والحريات الفردية لكل فرد من حرية الضمير والتفكير والتعبير إلى كل الحريات الأساسية والعامة إلى حرمة جسده واختياراته الجنسية ليست مسألة فنية تعهد إلى خبراء ..إنه نضال كل المواطنين والمواطنات ضد تجاوزات الأفراد والجماعات وأجهزة الدولة ..
من لا يدافع عن حقوق الإنسان حتى بمجرد موقف لا يمكنه أن يضمنها بنص مهما كان جمال هذا النص.