قد دخلنا في هذه المنطقة اللزجة التي تتداخل فيها كل هذه الأبعاد وفق وتيرة متسارعة وكثافة متفاقمة.
لقد أكّدت وزيرة المالية منذ صدور مرسوم /قانون المالية لسنة 2022 على أن عقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي شرط ضروري لإنجاز الميزانية وأنه دون ذلك ينبغي مراجعة موازنتنا بصفة جذرية.
لقد كان هذا الكلام منذ الأيام الأولى لهذه السنة وقبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها الضخمة على أسعار المحروقات والمواد الأساسية ..
وكانت الوزيرة قد حددت آخر شهر مارس الجاري كحدّ أقصى لعقد هذا الاتفاق،وها نحن قد وصلنا إلى نهاية هذا الثلاثي الأول ولكن الاتفاق مع النقد الدولي لم يحصل بعد،بل نراه اليوم يبتعد عنا أكثر لان شرطيه الأساسيين غير متوفرين وهما توافق القوى الاجتماعية من جهة كذلك المقبولية المجتمعية من جهة أخرى.. ولأن السلطة القائمة استهانت بالحوار عامة والحوار الاجتماعي خاصة تجد اليوم نفسها في نفق مغلق بحكومة متعثرة وغير قادرة على توحيد قوى الإنتاج حول مشروع وطني تتقدم به للجهات المالية الدولية ومن ورائها المستثمرين في الداخل والخارج أساسا كما أن رئيس للجمهورية لم يفصح – إلى حدّ اليوم - وبصفة جدية عن موقفه من كل الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد الدولي من تقشف واضح في الإنفاق العمومي وخاصة في ما يتعلق بالدعم وبكتلة الأجور .
لقد أخطأت حكومة نجلاء بودن حينما اعتقدت أن اتحاد الشغل لا يملك أن يرفض مشروع الحكومة وأنه لن يهدد بالتالي إمكانية عقد الاتفاق مع صندوق النقد..ولعل الحكومة قد اعتبرت أن شرط التشاركية الذي طالما أكد عليه اتحاد الشغل لا يمكن أن يذهب به إلى هذا المستوى.
يبدو أن السلطة قد اختارت منهج فصل المسارات أي أنها مستعدة للتفاوض في المسائل الاقتصادية المتعلقة بالتوازنات المالية للدولة (وهي موضوع التفاوض مع صندوق النقد الدولي) أما في ما يتعلق بالسياسة الاجتماعية وخاصة بالملف السياسي فترفض السلطة القائمة كل صنف من أصناف التشاركية .
سياسة الانفراد بالرأي تمكنت من المرور بقوة أمام مختلف المكونات السياسية ولكنها أظهرت حدودها أمام المنظمة الشغلية التي تملك من رسائل الصدّ ما لا تملكه كل الأحزاب مجتمعة.
اليوم لا نكاد نجد من يساند المسار السياسي لرئيس الدولة باستثناء بعض الحلقات من جماعة الحملة التفسيرية رغم ذلك مازال رئيس الدولة مصرا على إنجاز مشروعه دون تفاوض أو تعديل او تراجع،ولكن أزمة المفاوضات مع صندوق النقد ستلقي بظلالها حتما على كل أبعاد الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد والسؤال هنا هو التالي: هل ستستبق السلطة القائمة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بتعديل جدّي لتعاملها مع كل الأطراف الاجتماعية والسياسية أم أنها ستواصل سياسة المرور بقوة اعتقادا منها أن الجنّة تكمن وراء الحائط الذي تتجه نحوه البلاد بسرعة ..
في الأثناء تسعى أحزاب الائتلاف الحكومي السابق مع نواب من كتل مختلفة إلى إعادة الروح للبرلمان المعلقة اختصاصاته ومنحه – بواسطة جلسة عامة افتراضية ستعقد غدا الأربعاء 30 مارس – حق إيقاف العمل بالتدابير الاستثنائية في سعي لافتكاك جزء من الشرعية أو بتقاسمها مع قرطاج .
لقد وصلنا فعلا إلى نقطة تلاقي الأزمات والزمن يلعب ضدّ البلاد بكل وضوح ..
الحلّ في الرغبة الجماعية لإنقاذ البلاد وهو حتما ليس في المغالبة أو في كتب التاريخ...
الاقتصادي والاجتماعي والسياسي: الكـلّ أو لا شيء !
- بقلم زياد كريشان
- 12:11 29/03/2022
- 772 عدد المشاهدات
تحدثنا في مرّات سابقة عن اقترابنا من نقطة الأزمات الثلاث في تونس : الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويبدو أننا