إذ كانت الحرب الأخيرة ضد صريبا في تسعينات القرن الماضي مقررة من قبل الحلف الأطلسي وهدفت إلى إرغام نظام بلغراد على التخلي عن إقليم كوسوفو..
لاشك أن بوتين قد قام بمناوشات عسكرية ضد جورجيا في 2008 وبالوكالة ضد أوكرانيا في 2014 وفي كل مرة اقتطعت روسيا الاتحادية أجزاء من أراضي هذين البلدين عقابا لهما على تقاربهما مع حلف الناتو ونقض الاتفاق غير المكتوب بين غورباتشوف والإدارة الأمريكية بالا تتحول أية جمهورية سوفياتية سابقة إلى عدو لروسيا الجديدة تنصب فيها الأسلحة النووية التكيتية والإستراتيجية على مرمى حجر من روسيا ..
لأول مرة منذ عقود تهاجم بلاد حليفة للغرب داخل القارة العجوز من قبل دولة نووية أعيدت إلى «شرقيتها «وغيريتها» دون أن يكون «الغرب» بزعامة أمريكا قادرا على الرد العسكري المباشر ..
نحن أمام تحول جيوسياسي كبير للغاية لا يمكن أن نفسره فقط بجنون العظمة عند الرجل القوي في موسكو،بل نحن أمام استعمال القوة العارية في الخلافات بين الدول ولكن دون رضا أو مباركة أو صمت المعسكر الغربي بل هي ضربة موجهة إليه بصورة رمزية بوضعه أمام واقع موازين القوى العسكرية الفعلية ..
لسنا ندري ماهي مخططات الرئيس الروسي بالضبط وأين سينوي التوقف وهل سيكتفي بالسيطرة فقط على إقليم الدمباس المحاذي لحدوده أم أنه سيسعى إلى إسقاط النظام الأوكراني وتعويضه بحكومة موالية له ..ولكنه في الوقت الحاضر هو الذي يحدد النسق وساحة المعركة وغاياتها الإستراتيجية كذلك ..
هل يعني هذا ان المعسكر الغربي لا يملك عناصر القوة التي تسمح له بإحباط المشروع الروسي؟ بالتأكيد لا، فلئن كان التدخل العسكري حتى لو كان غير مباشر مستبعد للغاية ان لم نقل مستحيلا نظرا لخطورته القصوى لا فقط على أطراف النزاع بل على السلم العالمية وعلى مستقبل الكرة الأرضية كذلك، إلا ان أمريكا والاتحاد الأوروبي يملكان أسلحة عديدة منها المالي والاقتصادي والتجاري والعقوبات الصارمة التي اتخذتها وستتخذها الدول الغربية والتي ستلحق أضرارا كبيرة بروسيا وبنظامها رغم استعداد موسكو طيلة هذه السنوات الأخيرة لمثل هذه العقوبات بالاقتناء المكثف للذهب وبالسعي للتخلص – قدر الإمكان – من الدولار في معاملاتها البينية وبتحالفها المتزايد مع الصين الشعبية والقوى الصاعدة خارج أوروبا. ولكن كيف لروسيا الصمود الدائم أمام حصار اقتصادي ومالي خانق .. هذا بالطبع لو عمدت الدول الغربية الى أقصى العقوبات لكن بعضها (كألمانيا مثلا) سيتضرر كثيرا منها كذلك.
العالم اليوم وغدا لن يكون مختلفا في جوهره عن فترة اللعبة الكبرى للأمم التي سادت منذ حوالي القرن عندما تعلق الأمر باقتسام النفوذ وبتفكيك كل أواصر الإمبراطورية العثمانية،تلك التي كانت تسمى برجل أوروبا المريض.
لاشك ان الصراعات العسكرية هي الأكثر دموية ومشهدية في نفس الوقت ولكن الصراع الهادئ طورا والعنيف أطوارا أخرى سيكون ميزة العقود القادمة لأنها ستشهد بصفة نهائية تقدم العالم الأسيوي على أمريكا وأوروبا وان هذا التقدم لن يتم في كنف «الروح الرياضية» بل ستسعى الولايات لمتحدة بكل ما أوتيت من قوة مالية وعلمية وعسكرية واستخباراتية الى تأجيله أو حتى إلى محاولة إعاقته بصفة دائمة.
نحن أمام حقائق بسيطة ومعقدة في آن:
العلاقات بين الدول أو بين مجموعات الدول قامت وتقوم وستقوم على موازين القوى بينها وعلى تقدير كل دولة أو حلف لمصالحها الإستراتيجية وهي ستستعمل كل الأسلحة التي بحوزتها لتحقيق المزيد من المكاسب على حساب غيرها ..
التعاون المنفتح بين الشعوب هو طموح كل البشر ولكن الدول محكومة بقوانين مختلفة منذ ان ظهرت في تاريخ البشرية .
أين نحن من كل هذا ؟
لعل مجرد طرح هذا السؤال اليوم وتونس غارقة إلى أذنيها في صغائر الأمور، هو من لغو الحديث لأننا لا نملك حتى أوليات الوعي التاريخي ولا عناصر الإرادة الجماعية للنهوض وللدفاع الشرس عن إمكانيات تحسين موقعنا في مستوى سلم القيم الدولي ..
إنها الحـــــــرب ...
- بقلم زياد كريشان
- 10:57 25/02/2022
- 995 عدد المشاهدات
منذ انهيار المعسكر الشرقي في نهايات ثمانينات القرن الماضي لم تشهد أوروبا الغربية حربا على أراضيها تخاض ضد دولة حليفة،