سلطة التدابير الاستثنائية والتي جمّعت، وما تزال ،كل السلطة في يديها لا تريد – أو بالأحرى لا تستطيع – الدفاع العلني عن اختياراتها والسعي إلى إقناع الناس بها..
صحيح أن رئيس الجمهورية يدافع بكل قوة عن مشروعة الهلامي وعن تصوره للخروج من أزمة حكم المنظومة السابقة وعن إرساء القواعد الأساسية للحكم القاعدي الجديد ..ولكن لحياة الناس اليومية متطلبات مغايرة فهي بالأساس اقتصادية واجتماعية وتربوية وصحية..أي أنها تعود بالنظر إلى حكومة نجلاء بودن ولكننا إلى حدّ اليوم لم نر ولو خطابا واحدا موجها الى عموم التونسيين يشرح لنا سياسة هذه الحكومة وبرنامج عملها والإصلاحات او التغييرات التي تنوي إدخالها على حياة الناس ..
أمام الأزمات الظرفية – منظومة ايفاكس نموذجا – أو الهيكلية – منظومة معالجة النفايات– لا نجد مسؤولا حكوميا بارزا (الوزير المعني أو رئيسة الحكومة) يجيب على تساؤلات الناس ويشرح أسباب الأزمة وطرق معالجتها ..
لقد تُرِكت السياسة العامة أو السياسة السياسوية المحضة لرئيس الدولة وتركت المشاكل الظرفية أو الهيكلية للمسؤولين الإداريين أمام الانسحاب شبه الكلي للحكومة من المجال العام ..
وتزداد هذه المفارقة غرابة عندما نعلم أننا بصدد صدور قانون (مرسوم ) المالية وقانون الميزانية لسنة 2022 دون أي تمهيد سياسي أو شرح لتوجهاته الكبرى أو عرضا لاختياراته ..قانون المالية سنكتشفه بعد أيام – نظريا – عندما ينشر في الرائد الرسمي ..
من سيدافع عن هذا القانون الجوهري لكل حكومة ولكل سلطة تنفيذية ؟ لا احد !! فالرئيس غير معني به ورئيسة الحكومة لا تتكلم، كذلك وزيرة المالية ..ثم ما معنى الدفاع عن إجراءات بمثل هذه الأهمية على حياة الناس بعد صدورها ، هذا لو فرضنا جدلا أن وزيرة المالية ستتولى شرح هذه القرارات والدفاع عنها أمام الرأي العام ؟ !!
تفيد كل المؤشرات أننا سنجد أنفسنا أمام إجراءات تقشفية تحدّ من القدرة الشرائية للطبقات الوسطى والشعبية وجملة من الإتاوات الإضافية قصد توفير أموال إضافية لميزانية الدولة وتقديم «الإصلاحات» التي قد ترضي صندوق النقد الدولي. ولكن هذه السلطة لم تبال مطلقا بعموم التونسيين ولم تعاملهم كمواطنين لهم حق النفاذ إلى المعلومة وابداء الرأي والنقاش العام ..
وتفيد كل المؤشرات بأننا أمام عملية محاسبية سيذهب ضحيتها عموم التونسيين دون حلول واضحة لخلق الثروة ولإقلاع اقتصادي فعلي مع التزامات غير شعبية تجاه المانحين دون أن يحصل حولها الحدّ الأدنى من الإنضاج الداخلي والحوار الاجتماعي ..
نحن فعلا أمام ما يشبه حالة نهاية السياسة بما هي مفاوضة ونقاش ..نحن أمام حكومة لا تتحمل مسؤوليتها الوطنية ولا تتصرف كحكومة بل كمجرد خلية تابعة للقصر ..
المنطق السليم يفرض اليوم على رئيس الدولة أن يتحمل مسؤولية هذه الاختيارات– اختياراته هو – وان يدافع عنها أمام الرأي العام وأن يقبل أن يساءل عليها ..ولكن هل أصاب ديكارت عندما قال بأن المنطق السليم (العقل البسيط) هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس ؟ !
من مفارقات «السياسة» في تونس: سلطة لا تدافع عن اختياراتها ولا تتحمّل تبعاتها !
- بقلم زياد كريشان
- 10:09 23/12/2021
- 1155 عدد المشاهدات
لقد شاهدنا كل شيء خلال هذه السنوات الأخيرة ونحن نشاهد اليوم أشياء ما كانت لتخطر على بال بشر ..