حقيقية تهدد بتطورات صحية خطيرة. نفايات في كل مكان تراكمت ليطغى حضورها و تنكشف معه ازمة سوء التصرف وغياب التخطيط التي تعمقت في البلاد طوال السنوات الفارطة.
فما تعانيه صفاقس من كارثة بيئية هو عينة عما قد تعيش على وقعه ولايات اخرى في الاسابيع القادمة. والسبب هو عجز منظومة ادارة النفايات والتصرف فيها. فتونس تنتج نفايات صلبة تقدر بـ 2.5 مليون طن سنويا. ثلثاها من المواد العضوية القابلة للتحلل، بنسبة تقدر بـ68 % . في حين تمثل مواد التغليف نسبة 24 %. كما تنتج البلاد 100الف طن سنوي من نفايات الاجهزة الكهربائية المفروزة ولكنها لا تقوم بمعالجة او رسكلة الا 2800 طن منها فقط.
اضف الى هذا النفايات الخطرة، التي تقدر حسب تقرير محكمة المحاسبات، بـ 80 ألف طن من النفايات المدرجة في تصنيف المنظومات وكالة التصرف في النفايات و300 ألف طن من نفايات الأنشطة البترولية، و212 ألف طن من نفايات الأنشطة الصناعية، و6 آلاف طن من نفايات الفوسفوجيبس و2400 طن من النفايات الطبية .
هذه الاطنان توجه الى 10 مصبات مراقبة بطاقة استيعاب تقدر بـ 1.8 مليون طن سنويا، وهي طاقة استيعاب دون مستوى ما ينتج من نفايات صلبة بـ700 الف طن سنويا. في انتظار استكمال خمس مصبات أخرى قيد الإنشاء بطاقة استيعاب تقدر بـ0.5 مليون طن سنوي. وهي بدورها لن تعالج كل الازمة.
ازمة تنبع بالأساس من اعتماد البلاد على تقنية ردم النفايات وعدم انتقالها الى «التثمين»، فرغم مرور حوالي 3 عقود على قانون 1997 الا ان معدل رسكلة وتثمين النفايات ظل 4 %. هذا ما كشف في صفاقس وسيتجلى بشكل كبير في باقي الولايات المهددة بان تعيش ذات الوضع البيئي الصعب.
فالدولة التونسية ومؤسساتها اتخذت قرار بغلق مصبات النفايات المنزلية والصلبة، ومنها مصب عقارب ومصب برج شاكير وغيرها من المصبات الاخري في اطار استراتيجية الانتقال من المصبات الى وحدات معالجة النفايات وتثمينها.
لكن، وهنا تتضح ازمة العقل التونسي، هذا القرار الذي تعهدت به الدولة والتقطه سكان المناطق المجاورة للمصبات ظل مجرد تعهد ووعد، فضحته الاحداث في صفاقس التي ورغم محاولات ايجاد حل لازمتها البيئية الا ان الامر لن يكون بتلك البساطة واليسر.
فما عاشته صفاقس هو فرض سكان منطقة عقارب غلق المصب وفق تعهد الدولة، وهذا تزامن مع رفض القاطنين في عدة مناطق اقامة مصب مؤقت إلى حين معالجة الازمة من اصلها. مما يعنى ان الجهة ستظل تواجه ازمة وكارثة بيئية لعدم توفر حل فعلي.
والحل الذي قد ينهى الازمة كليا هو دخول وحدة معالجة النفايات وتثمينها حيز النفاذ. لكن هذه الوحدة المزمع إنجازها بضيعة زروق من معتمدية المحرس من ولاية صفاقس. لم تدخل بعد مرحلة الدراسات، وهي مرحلة ينتظر ان تنطلق في 15 نوفمبر وتستمر الى اشهر وفق ما تكشف عنه وكالة التصرف في النفايات. يليها مرحلة انجاز المشروع التي قد تمتد الى سنتين لتصبح وحدة معالجة النفايات وتثمنيها قيد الاستغلال.
وهذا يكشف المعضلة الفعلية في البلا وهي البحث عن «حلول عاجلة» التي لم تعد قادرة على ان تقدم اي مخرج من الازمات الهيلكية التي شملت كل المنظومات في البلاد، وما منظومة التصرف في النفايات الا عينة عن حجم الخلل الهيكلي الذي تراكم منذ 2011.
فتونس وطوال هذه السنوات اعتمدت مقاربة «رجل الاطفاء» الذي انصب جهده على «اطفاء الحرائق « ولم يضع اي تصور او خطط متوسطة وبعيدة المدى لادارة اي ملف. فطوال السنوات الفارطة عوضا عن الانكباب على احداث منظومة تصرف في النفايات الصلبة والمنزلية تقوم على تثمينها ورسلكتها وقع الانشغال بمعالجة اليومي والاني فكانت النتائج ما نراه في صفاقس.
اليوم قد يكون من العسير اقناع التونسيين بان الدولة باتت جادة في معالجة الازمات الهيكلية واتباع مقاربات جديدة، ولكن هذا ليس بمستحيل اذا وقع استعادة الثقة وتقديم حلول مختلفة عما جرب طوال السنوات العشرين الاخيرة وكشف ان كل المنظومات بما فيها منظومة التصرف في النفايات التي تعاني من خلل هيكلي حاد وبدرجة اقل الفساد.
اليوم البلاد مطالبة بان تقوم باصلاح منظوماتها من منطلقها، وهو تحديد الهدف منها، وهذا ينطبق على منظومة النفايات التي يجب ان تتلاءم قوانين البلاد واستراتيجيتها مع واقعها، فلا يعقل ان تكون البلاد متعهدة وملتزمة بان تعتمد مقاربة تثمين ومعاجلة النفايات منذ سنوات ولازالت الي غاية اليوم تعتمد على المصبات وتقنيات الردم.
البلاد اليوم امام حتمية ان تنطلق في ورشات الاصلاحات الكبرى في كل قطاع ولعل قطاع رفع النفايات والتصرف فيها هو افضل اختبار اليوم على القائمين بادارة البلاد وشؤونها.
الكارثة البيئية في صفاقس: أزمة «منظومة بيئية» أم أزمة العقل التونسي
- بقلم حسان العيادي
- 10:29 30/10/2021
- 935 عدد المشاهدات
تكشف الصور القادمة من ولاية صفاقس عن حجم ازمة رفع النفايات الصلبة والمنزلية والتي باتت تضع الولاية على مشارف كارثة بيئية