و.. لم يستوعبوا بالقدر الكافي، ما حدث، ولم يدركوا أنّ مطلبا من المطالب الرئيسية التي ظهرت منذ انطلاق مسار العنف السياسي، هو الكشف عن الحقيقة والاعتراف بمسؤوليّة الحزب في اغتيال الشهيدين «بلعيد والبراهمي»، وفي تسفير الشباب إلى بؤر التوتّر والصراع فضلا عن قائمة أخرى من الجرائم التي ارتكبت في حقّ التونسيين. ومادام القياديون لا يملكون الجرأة لمواجهة ماضيهم والتعامل إيجابيّا مع الحاضر وتحديد مسؤولياتهم ثمّ تقديم الاعتذار فلن يكون مطلب «طيّ الصفحة» قابلا للتنفيذ.
وفي السياق نفسه نتساءل: هل يتسنّى لأغلب «النخب السياسية»، على تعدّد مشاربها، أن تتجرّأ على اتّخاذ قرار إعلان الانسحاب من المشهد السياسيّ نهائيا ؟ وهل بإمكان بعض الفاعلين الآخرين ممارسة النقد الذاتي وتغيير طريقتهم في العمل والتعامل؟ إنّ السياق يفرض انطلاق عمليات الإصلاح وفق «خارطة طريق واضحة» فالمسألة تسير، في اعتقادنا، بالتوازي مع ما يخطّط له الرئيس. ولعلّ أوّل خطوة تتمثّل في الشروع في إحداث القطيعة النهائية مع النرجسية القاتلة التي تجعل عدّة شخصيات عاجزة عن التفريط في المركز رغم وعيها بإفلاس خطابها وافتقارها للمصداقية والنزاهة و.. وعجزها عن تغيير الأداء السياسيّ. فالأولوية اليوم هي خدمة الصالح العامّ وتوفير الخدمات الأساسية كالماء والدواء... ولا وقت للضجيج والتنابز بالألقاب والبحث عن الغنائم والامتيازات...
والآن وقد سحب الرئيس الرأسمال الدينيّ والرمزيّ من تحت قبضة حزب بمرجعيّة إسلامية وجناح دعوي يزعم أنّه يحمل مشروعا لأخلقة المجتمع وترسيخ القيم وتهذيب السلوك ومصالحة التونسيين مع الهويّة والإسلام ... هل يستقيم القول إنّ حزب النهضة هو حزب بمرجعيّة دينية والحال أنّه عمل وفق مرجعية يزعم البعض أنّها خليط بين مبادئ الرأسمالية المتوحشة والنيوليبرالية وهو حين كان يحكم لم يكن يتقيّد البتة بالمرجعية الدينيّة. ثمّ هل يتجرّأ «الشيخ» أو أحد أنصاره فيعترف بأنّ أصل الداء يكمن في اتّساع الفجوة بين الشعارات والممارسات، وفي التناقض المرعب بين صورة سوّق لها أبناء النهضة لاستقطاب الناخبين: صورة المتحزّب الإسلاميّ الخلوق والورع والمدافع عن الإسلام والقيم، وما يفعله «النهضاوي» على أرض الواقع من أفعال تذكّر بسلوك التجمّعيين في العهد البائد. فهل بإمكان المتحزّبين تسويق صورة هي أقرب للواقع؟
وها نحن إزاء رئيس يستحضر المخزون الديني فيتلو الآيات ويذكّر بالأحاديث ويعبّر عن تمثّله لسير الصحابة، وفي مقدّمتهم عمر بن الخطاب، ويحاول أن يكون زاهدا وإماما عادلا يراعي حقوق «الرعيّة» حتى أنّ البعض جعله أقرب إلى فكر السلف «الصالح».
واليوم ، وقد سحب الرئيس البساط من تحت الحزب الدستوري الحرّ الذي أقام بنيانه على «تنظيف البلاد من الإخوان» والصراع مع الخوانجية هل بإمكان الحزب أن يتجرّأ ويعلن عن أنّه في مرحلة البحث عن البديل؟ فأن تقود معركة بالمراهنة على تصفية الخصم معناه أن تتوقّع أنّ موته قد يدكّ معبدك ذلك أنّ وجودك قد ارتبط بوجوده وأنّ سلطتك قائمة على معارضة سلطته.
ولا يمكن أن نتغافل عن «أطراف» أخرى تُطالب اليوم بالمثول أمام الرأي العام لتعترف بأنّها انزاحت عن الطريق فتسبّبت في التلاعب بعقول التونسيين وفي مقدّمتهم «الخبراء» و«المحلّلون» و«المختصّون» والإعلاميون الذين انتهزوا الفرصة وتقلّبوا وفق مصالحهم. فهل يتجرّأ لفيف منهم ليعلنوا عن أنّهم أخطأوا في حقّ التونسيين فساعدوا النهضة على «التغوّل» مثلهم مثل القضاة والأمنيين وغيرهم. فلولا تكاثف جهود هؤلاء ما كان للنهضة أن تتسلّط.
أمّا الرئيس /قائد المرحلة ومالك زمام الأمر فهل سيتجرّأ على دعوة رهط من الصحفيين لإجراء حوار تفاعليّ مطوّل يخرج فيه من ثوب الأستاذ/الأب إلى ثوب السياسي الذي يعلن للشعب عن رهانات اللحظة المفصلية ويوضّح له خطّة العمل التي تسير، في تقديرنا، وفق ما طالبت به الموجة الأولى من الثورات: قلب البوصلة من الأسفل نحو الأعلى.
والإعلام مطالب بدوره بأن يفارق التوجّه المحافظ والتقليدي القائم على استضافة الوجوه المنتمية إلى دائرة السلط والهيمنة والتي تجعله قادرا على محاورتها بكلّ أريحيّة لينطلق في مغامرة جديدة فيها فتحُ المجال للأصوات الجديدة ذات الطرح المغاير ...
إنّ إعلاما لا يتجرّأ على كسر التقاليد المعمول بها إعلام كسول يهاب التغيير حتى وإن زعم أنّه يتوق إلى الفعل في الواقع من أجل التغيير.
مقدار من الجرأة بعد 25 جويليّة يُفيد
- بقلم امال قرامي
- 12:20 06/08/2021
- 1759 عدد المشاهدات
هل بالإمكان «طيّ صفحة الماضي» مثلما يُطالب بذلك بعض قياديّي النهضة ؟
يبدو أنّ أغلب قياديّي النهضة الحاضرين في مختلف وسائل الإعلام لتحليل ما حدث من وجهة نظرهم، أو لبيان موقف الحزب من «الانقلاب» و«التدابير»