في هذه الأيام العصيبة. وليس استحضار الأمثال «في غير محلّه» و«خارجا عن المعالجة السياسية» للأوضاع بل هو في صميم التحليل لسببين: أوّلهما ما خلصت إليه المنظّرات النسويات وعدد من المنظّرين في العلوم السياسية عندما أجزموا أنّ كلّ شيء موصول إلى السياسة بمفهومها العامّ All is politics، ويتمثّل السبب الثاني في ضرورة النبش في الثقافة الشعبيّة أو غير الرسميّة لأنّها تكشف عن وجه من وجوه فاعليّة البنى الذهنيّة التي توجّه أنماطا من السلوك والممارسات وغيرها.
فعندما تنتشر صور «المشيشي» لا نملك إلاّ نتذكّر المثل: «العزوزة هاززها الواد وهي تقول العام صابة» ونراه معبّرا عن شغف «رئيس الحكومة» بالتقاط الصور، وهو يتسلّى بلعبة المضرب وأخذ السلفيّ مع بطلة تونس في التنس. فما الرسالة التي يريد أن يبلغّها إلى عائلات مكلومة وأخرى مرعوبة؟ وهل له علم بآداب التعامل مع الضعفاء والضحايا والمرضى... وأشكال التعاطف التي بإمكانها أن تخفّف من آلام الناس ؟ وهل هو على اطلاع على دراسات الرعاية التي فرضت على واضعي السياسات توظيف أهمّ ما توصّلت إليه من نتائج في مواجهة الكوارث والأوبئة؟
أمّا المثل «بعد ما اتخذ شرى مكحلة» فنجد أنّه ينطبق على رئيس الجمهوريّة الذي لم يلجأ إلى «الأشقاء» و«الأخوة العرب» إلاّ بعد سقوط الأرواح التي لم تجد «الهواء». أفما كان حريّا به أن يحرّك الديبلوماسيّة منذ ظهور المؤشرات الأولى لتأزّم الوضع في عمليّة استباقية كان بالإمكان أن تنقذ أرواح الآلاف وتبرز أنّه يضطلع بدوره على أكمل وجه ؟ ولكن يبدو أنّ «ديبلوماسيتنا النشطة» بشقيها الرئاسي والبرلماني جمّدت بعد أن ألهاهما الصراع حول السلطة.
ولا نجد أبلغ من «أحييني اليوم واقتلني غدوه» للتعبير عن حالة الاستهتار واللامبالاة والعبث التي عمّت شرائح واسعة من الشعب فاستوى الأميّ بالمتعلّم، والفقير بالغنيّ واليساري بالـ«خوانجي».... فصارت الملامسة والمصافحة والعناق و«الهمس في الأذن» وإقامة الأعراس والأفراح و«الليالي الملاح» والاستمتاع في المسابح الخاصّة Pool Party. ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها وأضحى وضع الكمامة مُثيرا للعجب. فتوضع في اليد، وتحت الأنف أو في الرقبة ويمكن أن تستعمل للغشّ في الامتحانات ... وبات شعار هؤلاء: في القرب إحساس باللحمة حتى وإن نُقلت العدوى وسرت كالنار في الهشيم.
أمّا مثل «عزوزة ما يهمّها قرص» فنراه معبّرا عن حال أغلب الأئمة و»العلماء» الّذين لم «يتجنّدوا» لتحمّل مسؤولياتهم الاجتماعية لتوعية الناس بمخاطر الوباء أو لجمع التبرعات أو مساعدة المعوزين وكان بإمكان هؤلاء أن يكونوا قدوة في مجال «الزعامة المواطنية» من منظور دينيّ يحث على التضامن وقيم التآزر والرحمة ويذكّر بالقيم الأخلاقية التي تمنع «الشماتة' والاستهتار بموت الناس والتنمّر....ولكن هيهات فالدعوي السياسي ، والصراعات الأيديولوجية أهمّ من استعادة القيم الإنسانيّة.
ونرى أنّ مثل «إللّي ما فيه قلب يْموت سْمين مْعشعش « ينطبق على ما تعرضه بعض القنوات الخاصّة من برامج التفاهة والبلادة مستضيفة ممثلي/ات الأميّة الثقافية وقلّة المروءة وانعدام الإنسانية فتطلّ علينا سيئة الذكر من تعتبر أنّها فوق الجميع « إش يا ذبانة ما فمة في الدنيا كان انا» لتتباهى بالأموال التي تغدقها على شعرها ولباسها وقطّتها ولتفسّر لنا سبب امتناعها عن مساعدة المحتاجين.أمّا الساخرون من سمك موريطانيا وهباتها فينطبق عليهم مثل «الفقر والفرعنة» وكذلك «الحقار يموت ذليل».
وما أبلغ مثل «إذا دزوك وطحت احسب روحك تتزرزح» إذ نراه منطبقا على القيادي الشهير الذي وعد وتوعّد وهدّد بأن يكون يوم 25 جويليّة يوم الحسم ثمّ تراجع ليقول ما يقوله كلّ زملائه: إنّ الكلام اقتطع من سياقه وثمّة سوء فهم لرسالته.
وبما أنّنا في أيام عيد ونتوق إلى رؤية الأهل بالرغم من تدابير الحجر فعليكم بـ«إطعم الفم تستحى العين» لتجوبوا البلاد طولا وعرضا فالفساد استشرى وصار جزءا من السيستام. ومادام الزمان زمان الفاسدين والهواة والانتهازيين والسرّاق ... فلا مثل أفضل من» إللي اعطاه الباي حصان يركب ويدلدل رجليه».
فلا تستهينوا بالأمثال المتداولة فبلاغتها درس لأولي الألباب .ونختم بالآية «تلك الأمثال نضربها للناس لعلّهم يتفكّرون».