لم نحسن بعد الاستعداد للانتصار في هذه الحرب إذ أن العبرة هنا لن تكون بتجاوزنا لحدّة هذا الوباء. إن التجاوز قادم لا محالة في تونس وفي كل أرجاء المعمورة ،ولكن بأي ثمن وبأية كلفة بشرية؟ فقد وصلنا إلى حدّ سيصعب معه كثيرا الحديث عن انتصار إلا في صورة واحدة وهي تلقيح أكثر من نصف المواطنين في هذه الصائفة وبلوغنا درجة المناعة الجماعية قبل موفى هذه السنة ..
لنترك إذن مآلات الهزيمة والانتصار في هذه «الحرب» ولكننا خسرنا المعركة والحرب معا في ما يتعلق بتعافي الدولة ووحدتها في قيادة البلاد..فلقد وصلنا إلى حالة من الانشطار والتشظي ستجعل من كل إصلاح، بل من كل فاعلية للسياسات العمومية أمرا شبه مستحيل ..
لقد قرر رئيس الجمهورية أن يتحرك بعد أن بلغ السيل الزبى، بل وبعد أن تجاوزه بكثير وبعد أن شارفت منظومتنا الصحية على الانهيار وبعد أن تجاوز معدل الوفايات اليومية المائة (للعلم إن معدل الوفايات في تونس قبل الجائحة هو في حدود 170 وفاة يوميا) وكالعادة سمعنا حديثا عن «الطرق الجديدة» ومن بينها «ابتكار» الأقاليم بعد تحميل الفشل للآخرين، أي لبقية أجهزة الدولة التي لا تخضع للرئاسة، وكأن ديبلوماسيتنا قد نجحت نجاحات رائعا في جلب اللقاحات !!
مباشرة ويوما واحدا بعد اجتماع قرطاج والذي «قرّر» جملة هذه الإجراءات (أهمها على الإطلاق بعد «الأقاليم» دعوة الإطارات الطبية وشبه الطبية التي تخرجت خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى «الخدمة الوطنية» ) انعقد اجتماع وزاري مضيق بالقصبة لعرض جملة من الإجراءات التي تتعلق أساسا باقتناء أجهزة الأوكسجين ومواد طبية علاوة على إعلان التوقيع على اقتناء مباشر مع مخبر «جنسون اند جونسن» يتضمن أكثر من ثلاثة ملايين ونصف لقاح (وهو لقاح ذو جرعة وحدة) في رسالة واضحة لصاحب قرطاج: تركنا لكم القول ونحن (في القصبة) نهتم بالفعل..
أما حركة النهضة،المساند الرسمي لحكومة المشيشي، فقد عقدت مجلسا للشورى احتجت فيه على «ضعف إستراتيجية التصدي للوباء والنقص الفادح في التلقيح والتجهيزات الطبية» ورأت أن الحلّ الأنجع لكل مشاكل تونس هو في «حكومة سياسية» تترأسها النهضة (بصفة ضمنية) باعتبار أنها وحدها القادرة على مواجهة القضايا الراهنة، والرسالة الأساسية في البيان النهضاوي أن الحركة الإسلامية بريئة من كل هذه الأزمات التي تعصف بالبلاد براءة الذئب من دم يوسف !
لقد أصبح التفصي من المسؤولية وإلقاء اللائمة على «الآخرين» السياسة الرسمية لكل أجنحة السلطة المتصارعة والمتشظية اليوم .. فالأساسي عندها ليس وضع الخلافات جانبا وتوحيد كل الجهود لتلافي ما يمكن تلافيه في الوضعية الصحية الكارثية اليوم وفي الاستحقاقات المالية والاقتصادية والاجتماعية في اليوم الموالي،بل فقط تسجيل النقاط والسعي إلى الاستفادة القصوى من السقوط القادم.
لو تحلّت كل أجنحة السلطة اليوم بالحدّ الأدنى من المسؤولية لتمّ تجنيد كل إمكانيات البلاد وطاقاتها – وهي كثيرة – من أجل سياسة ناجعة ومزدوجة قوامها التعهد الأمثل بالمرض وفرض احترام البروتوكول الصحي وكل وسائل التوقي بالتوعية بتطبيق القانون وتكثيف عمليات التلقيح، وعندها ستستفيد كل هذه الأجنحة من النجاح العام للبلاد ،ولكن سياستها الحالية تراهن على مفاقمة الأزمة وعلى انهيار لا يشمل إلا «الآخرين».
فعلا لقد خاب من يظنّ انه يحسن صنعا..