هو «الصلح لاسترجاع المال العام وخدمة التنمية»، مشروع تؤكد مصادر من الرئاسة على وجوده ولكنها تعتبر ان النسخة المسربة غير رسمية دون ان تنفي صحتها أو ما تضمنته من تصورات.
نسخة تضمنت 48 فصلا وزعت على ثلاثة أبواب، الاول تعلق بالاحكام العامة والثاني باللجنة الوطنية للصلح والثالث تعلق بتوظيف الاموال المسترجعة بموجب الصلح. فصول من المرجح ان تشهد تقليصا او اضافة فصول جديدة ولكنها في الغالب لن تتغير الفلسفة القانونية والسياسية التي قام عليها المشروع.
هذا المشروع الذي لم تتضمن النسخة المسربة منه مقدمة عامة تتضمن الحيز الزمني له و تشرح اسباب طرحه وآفاقه والنجاعة والمردودية الاقتصادية المتوقعة منه، وقد كشف في الفصليين الاولين منه انه يهدف الى وضع اليات للتشجيع على الاستثمار والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال إقرار اجراءات استثنائية لاسترجاع المال العام او التعويض عن الضرر الذي لحق بالادارة بأي وجه من الوجوه.
أهداف المشروع حددت المشمولين به وهم بالأساس كل من حكم عليه او كان محل تتبع قضائي من اجل افعال تتعلق بالاعتداء على المال العام او الاضرار بالإدارة الا من ثبت انه استعمل القوة او السلاح او كان ضمن تنظيم اجرامي يمس من الامن العام. دون تحديد لمدة او وزمن وقوع الفعل.
ويبين تحديد الاهداف والفئة التي سيشملها المشروع أنه مخصص بالأساس لرجال الاعمال وبدرجة اقل للإطارات العليا في الادارة التونسية، ووفق الفصل الاول فان اي من المنضوين تحت راية هاتين الفئتين وصدر بشانه حكم او هو محل تتبع في قضايا اهدار المال العام يمكنه ان يطالب بالصلح مع الدولة لإيقاف التتبع او انهاء العقوبة،مما يعنى انه يشمل ايضا اقارب الرئيس السابق وأصهاره وشركاءهم.
هذا المشروع الذي كشفت التسريبات عن صيغته الاولية في انتظار ان تستكمله الرئاسة وتقدمه للبرلمان خلال اسبوع من اليوم، يكشف عن فلسفة الجهة المبادرة ورؤيتها للمصالحة ويكشف بالأساس عن كيفية تحقيقها مع اعتبارها فرصة للانطلاق في تنزيل تصور الرئيس قيس سعيد لمفهوم الحكم ومشاركة الشعب في تحديد خيارته على ارض الواقع.
كما ورد في نص المشروع وخاصة في بابه الثالث وتحديد في الفصل 25 الذي يتطرق الى اللجان الجهوية والمحلية التي ستنسق وتتابع وتختار المشاريع التنموية المزمع تنفيذها في اطار قانون الصلح ، لجان تضم بالإضافة الى ممثلي الدولة والسلطة المحلية ممثلين عن المتساكنين حدد عددهم بين 5 و10 مع تمثيل الجمعيات المعنية بالشأن المحلي في اللجان التي ستختار المشاريع وتحدد الاولويات التنموية في الجهة.
كما أن هذه اللجان التي حددت شروط عضويتها ستوجه دعوة الى متساكني المعتمدية المعنية بان يتقدموا بمقترحاتهم حول المشاريع التي يرغبون في ان تنجز مع تحديد لشروط بعضها وهذا لم يستكمل بعد وفق نص المشروع المسرب.
هذا المشروع الذي سربت نسخته الاولية يبين ان الرئيس قيس سعيد يتحرك وفق لمقاربته السياسية التي طرحها منذ سنوات والتي تقوم على اعادة تشكيل مشهد سياسي جديد يقوم على « الشعب « اي ان الدخول في معترك الفعل المؤسساتي لم يغير من تصوره كما لم يقنعه بان الدولة وأجهزتها تتحرك وفق منطق مختلف عن ما يتبناه.
فالرئيس وبمشروعه المزمع تقديمه يريد من اعادة طرح فكرته الداعية لتغيير النظام السياسي والانتخابي في تونس بتدرج يريد هذه المرة أن يجعل من قانون الصلح القاطرة التي تجر الى تنزيل مقاربته. فالمشروع والتصور القائم عليه من المصالحة مع رجال الاعمال او الاطارات العليا في الدولة التي حققت منفعة او استغلت منصبها او قربها من النظام لتحصيل مكاسب وجمع ثروة، تنطلق من استرجاع ما استولوا عليه او حققوه نتيجة العلاقة مع النظام مع فائدة بعشر نقاط سنوية يقع توجيهيا بشكل او باخر الى الاستثمار في الجهات الاكثر فقرا.
بهذا يرغب الرئيس في تحقيق ما وعد به ناخبيه من ان الدولة قادرة على ان توفر لهم العيش الكريم متى وجدت الارادة السياسية التي تترجم الى قوانين تستبطن ان الشعب هو مصدر السلطة وصاحبها المطلق. ففي تحديد قائمات الاكثر تورطا واستفادة من النظام السابق مقابل قائمة الجهات والمعتمديات الاكثر فقرا وذات الأولوية. يراد ان يقع الربط وان بشكل غير مباشر بين ثراء المستفيدين من الانظمة السابقة وتفقير الشعب خاصة في الجهات، وهذا بمثابة تنزيل مقولات الرئيس القائمة على ان الدولة غنية ولكنها منهوبة على ارض الواقع واثباتها بمضمون القانون.
كما ان هذا القانون ينزل بشكل مبطن المبادرة السياسية للرئيس القائمة على عودة السلطة الفعلية للشعب ليختار سياساته العمومية ومن يمثله. واختبارها في اللجان المكلفة بالتنسيق واختيار وتتبع المشاريع التنموية.