تطور نسق الإصابات بفيروس الكورونا في تونس وتوقعات الأسابيع القادمة

• تجاوز عتبة الـ100 في نهاية شهر مارس
•2000 إصابة محتملة (؟) في نهاية شهر أفريل

سجلت تونس أول إصابة لها بفيروس الكورونا المستجد يوم 2 مارس الجاري والى حدود يوم 16 مارس بلغ العدد الجملي للإصابات 24 حالة مؤكدة .
يمكن أن نعتقد أن هذه الأرقام مطمئنة إلى حدّ ما وأن الحالة الوبائية في تونس تحت السيطرة ولكن عندما نسعى لنمذجة (modélisation) أولية لتطور عدد الإصابات في تونس نكتشف أن الاتجاه العام لتطور الوباء يحاكي تماما ما حصل في جل بلدان العالم، باستثناء الصين وكوريا الجنوبية منذ أكثر من أسبوع، وإن كانت الأعداد عندنا بالأفراد بينما أعداد المصابين في كبريات الدول الأوروبية هي اليوم بالآلاف.
وعندما نرى نسبة التطور في تونس لا يمكن أن نتساءل هل أن المرور من الأفراد إلى العشرات والتي حصلت عندنا منذ أيام تنبئ بتحول ثان إلى المئات ثم إلى الآلاف ام لا وهل نحن سائرون على نموذج جل الدول الأوروبية أم لا ؟
تفيد جل حالات تطور عدوى فيروس الكورونا في العالم بأننا إزاء ما يسميه الرياضيون (علماء الرياضيات) بسلسلة هندسية (une suite géométrique) أو بعبارة أوضح أمام نسبة تطور يومي تقدر في الأغلب الأعم بحوالي %20 وهذا يعني أن عدد المصابين يتضاعف كل أربعة أيام تقريبا.
لو عدنا إلى تطور الحالة الوبائية في تونس وخاصة منذ يوم 8 مارس الجاري مع تسجيلنا للإصابة الثانية وعندما نأخذ تطور الحالة خلال أربعة أيام متتالية نجد أن نسبة التطور لا تقل عادة عن الضعفين وتذهب أحيانا إلى ثلاثة أضعاف ولعل أدناها نسبيا ما سجلناه خلال الأيام الأربعة الأخيرة من 13 إلى 16 مارس حيث تطورت من 16 إلى 24 أي بنسبة زيادة بالنصف كل أربعة أيام.


لو اعتمدنا على هذا التطور الأدنى (زيادة بالنصف في كل أربعة أيام فإننا قد نتجاوز عتبة المائة قبل موفى هذا الشهر ولو تواصلت العدوى على هذا النسق فقد نناهز ألفي إصابة مع موفى شهر أفريل القادم.
أما لو أخذنا الفرضية الوسطى وهي تضاعف عدد المصابين كل أربعة أشهر عندها سنتجاوز مائتي حالة مع موفى مارس وسنصل إلى حوالي 3000 إصابة مع منتصف أفريل.
كل هذا لنقول بأن وجود 24 إصابة فقط إلى حدود يوم 16 مارس الجاري لا يعني البتة أن الحالة الوبائية تحت السيطرة بل فقط أن تطورها لم يبلغ بعد مداه وانه لو لا تحولات جذرية في دورة الفيروس إما لاعتبارات بيولوجية تهم حياة الفيروس ذاته ودورة فاعليته القصوى (كما هو الحال في فيروس الأنفلونزا الموسمية) أو إجراءات الوقاية القصوى والانضباط لها كلية لقطع سلسلة العدوى، لو لا هذا او ذاك فنحن سائرون لا محالة إلى هذا السيناريو الذي سننتقل فيه إلى مستوى المئات بعد أسبوعين على الأقصى ثم الآلاف انطلاقا من شهر أفريل القادم مع ما يعنيه هذا من تحديات ضخمة لمنظومتنا الصحية ولقدرتنا كشعب على التأقلم والتعامل مع هذا الوضع الوبائي الجديد الذي لم نعهده من قبل.
ماذا نملك أمام تفشي هذا الوباء؟
نجد أنفسنا كبشر وكتونسيين، أمام حالة غير مسبوقة في التاريخ، ففي العادة تجتاح أوبئة البشرية فتقضي على ما شاء لها ثم تفتر ذروتها وتحصل المناعة لمن شفي منها فـ«تتطبع» علاقتنا معه اما الأمراض المعدية الأخرى فنتحكم فيها اليوم بأمرين:
إما باللقاح أو بالدواء.. اما اليوم أمام الكورونا فنحن لا نملك لا لقاحا ولا دواء ورغم ذلك نحن مدعوون للتقليل على الأقصى من أثاره لا بإجراءات طبية بل بسياسيات حمائية على مستوى واسع تنظمها السلط العمومية وينخرط فيها كل المواطنين، وبقدر جدية التطبيق واحترام كل إجراءات كسر سلسلة العدوى يمكننا هزم المرض دون دواء أو لقاح وذلك بعدم المصافحة والتقبيل والعناق والتزام مسافة امان دنيا بمتر وإرجاء كل الأنشطة التي ينجر عنها الازدحام والالتزام بالحجر الذاتي مطلقا متى كانت هنالك شبهة.. لو نلتزم بكل هذا بصفة كلية ودون استثناءات فسنتمكن من كسر انتشار العدوى بصفة نهائية ولكن قد تكون كل هذه الإجراءات غير كافية لو لم نقض على كل فرص الازدحام وهذا يعني إيقافا شبه كلي للنشاط الاقتصادي أو الاقتصار فقط على ما هو ضروري ووضع استراتيجيات العمل عن بعد.. وهنا تبدأ المشاكل : فكيف نلجأ إلى هذه الحلول القصوى ونحن لم نسجل سوى 24 حالة؟! ولكن لو طبقنا هذه الحلول القصوى بعد تسجيل مئات أو ألاف الحالات ألا نكون قد عرضنا حياة المئات للخطر بصفة مجانية؟!
هذا هو السؤال الذي طرح على جل دول العالم، وجلها رفضت الحلول القصوى منذ البداية، وجلها متجهة اليوم إلى هذا العزل التام لان كلفة أنصاف الحلول أكثر ضررا بشريا وماديا..
أيام قليلة أمامنا لأخذ القرار المناسب شريطة الالتزام الجماعي الكلي والمطلق به مع الأمل ألا تخرج هذه العدوى عن السيطرة قبل ذلك .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115